"على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ماشاء"، جملة قالها "عمنا صلاح جاهين" من عقود طويلة متغزلا فى مصر.. أحب وأجمل الأشياء، وكما أجبرت المحروسة التاريخ على منحها المكانة والقيمة والعظمة قديما، فهى لازالت قادرة على إجباره من جديد بإضافة صفحات بيضاء تملأها بالأمل والأحلام رغم الصعوبات والمحن.
تلك الأحلام حتما ستصبح حقيقة طالما وُجد من يفكر ويخطط لتنمية وتطوير ترابها، دون تفريط فى ذره منه أو فى حق من حقوقه، واليوم نرى بقعة جديدة من أرضها على موعد مع التاريخ والتطوير والتنمية، تلك المنطقة القابعة على شواطئ البحر المتوسط فى شمال البلاد، رأس الحكمة التى ستشهد مشروع تطوير تاريخى سيحولها لمنطقة سياحية عالمية، المشروع الذى يحمل حلما ولد من رحم الأمل بمسيرة أفضل تحملنا على تخطى صعاب المرحلة.
رسائل كثيرة بعثتها مصر اليوم بعد أن أسدلت الحكومة الستار عن تفاصيل مشروع رأس الحكمة الاستثمارى بشراكة إماراتية، أهم تلك الرسائل هو حكمة الدولة المصرية فى التخطيط للاستفادة من مقومات الوطن، والحكمة فى إدارة الملفات الصعبة والشائكة وفى مقدمتها الملف الاقتصادى والنجاح فى تحقيق تقدم هام فى وقت صعب، والحكمة فى إدارة علاقاتها الخارجية والتى ظهرت ببراعة فى مفاوضات صندوق النقد الدولى أو تلك الصفقة الحديثة العهد.
وفضلا عن تلك الرسائل تبقى الرسالة الأهم والتى ظهرت اليوم بعد إعلان الحقائق بدون مواربه، وهى أن المشروع "شراكة وليس بيع أصول"، تنمية واستثمار سيدر على البلاد عائد دولارى بقيمة 35 مليار دولار خلال شهرين مقسمة إلى الدفعة الأولى في غضون أسبوع بإجمالي 15 مليار دولار والدفعة الثانية بعد شهرين بإجمالي 20 مليار دولار، بالاضافة إلى 35% من أرباح تتفيذه طوال مدة المشروع، بجانب ضخ 150 مليار دولار من الجانب الإماراتى كاستثمارات.
تلك الحصيلة فى هذا التوقيت الحرج سيكون لها انعكاسا على زيادة صلابة الاقتصاد المصري فى مواجهة الأزمة العالمية المحدقة بنا، وستعمل بشكل مباشر على تخفيف أزمة النقد الأجنبي بعدما تأثرت تدفقاته جراء الأزمات الدولية وخاصة الحرب على غزة بما أثر على عائدات قناة السويس.
مساحة رأس الحكمة والتى لديها موعد مع التاريخ تبلغ نحو 11.5 مليون متر، وستصبح خلال بضع سنوات واجهة سياحية عالمية بما سيقام عليها من مشروعات خدمية وفندقية متكاملة، ومنطقة المال والاعمال، وإنشاء مطار دولى جنوب المدينة، لتتوج مصر كوجهة سياحية عالمية ليس لها مثيل على البحر الأبيض المتوسط متوقع لها أن تجذب 8 ملايين سائح وتنافس أقرانها فى جنوب المتوسط من اسبانيا وإيطاليا وغيرها، ولتصبح رأس الحكمة مكملا لما تملكه مصر من مقومات سياحية فريدة فى البحر الأحمر والأقصر وأسوان وواحاتها الخضراء.
المشروع أكبر رسالة عن نجاح الدولة فى جذب استثمارات أجنبية مباشر، والذى حتما ثقة فى مصر كوجهة استثمارية واعدة، خاصة بعد أن عملت الحكومة جاهدة خلال الفترة الماضية على تغيير البيئة الاستثمارية والتشريعات بما يخدم جذب الاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية، فالدولة تنظر إلى الاستثمار المحلى بنفس القدر من الأهمية والقيمة التى تنظر بهما للمستثمر الأجنبى.
عوائد المشروع لا تتلخص فقط فى مليارات الدولارات التى ستتدفق على خزينة الدولة، بل فى فرص العمل التى ستخلقها البيئة الاستثمارية، وما سيتخللها من مشروعات توفر ملايين فرص العمل للشباب المصري من خلال المشروعات التى ستنطلق فى تلك المنطقة، فى قطاعات البنية التحتية أو في الإنشاءات أو المطورين العقاريين الذين سيتوجهون لهذه المنطقة للاستفادة من مقوماتها.
ضف إلى ذلك الصناعات التى ستشهد انتعاشا لتلبية احتياجات اقامة المشروع، وخاصة صناعات الانشاءات التي سيزداد الطلب عليها في مراحله المختلفة بدءًا من المراحل الإنشائية وحتى مراحل التشطيبات النهائية.
رأس الحكمة هى مجرد بداية لطريق بدأ لتوه لتنمية مقدرات الوطن بما يليق بها، وسيفتح الباب واسعا أمام شراكات استثمارية أخرى ونقلة كبيرة خلال السنوات المقبلة، تستغل مقوماتنا السياحية والثقافية والتاريخية كما ينبغى أن تكون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة