عصام محمد عبد القادر

استقرار الدولة وسط فوضى المنطقة

الإثنين، 16 ديسمبر 2024 06:03 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في قضايا الشرق الأوسط يغيب عن المشهد ضمير المجتمع الدولي، وتغيب الحكمة، وتحاول القوة فرض سياسة الأمر الواقع، ويذهب مع كل هذا حقوق الإنسان في غياب مفتعل من قبل المنظمات الدولية الراعية للشعار، والذي لا تطالب به إلا في دول بعينها لغايات محددة، وهنا نرصد حالة من الفوضى بمنطقتنا التي لم يسبق لها نظير في العالم، وفي المقابل لا نرى إلا قليلًا من الدول التي تتمتع بالاستقرار والاتزان في الأقوال والأفعال، وفي مقدمة ومصاف تلك الدول مصر.


وفوضى المنطقة يستفيد منها أصحاب المصالح والأجندات والمخططات دون مواربة؛ لذا يعملون على تعضيدها؛ كي يحققوا ما لا يستطيعون تحقيقه في حالة الاستقرار، وهذا ما نسميه في العرف المصري الاصطياد في الماء العكر، وللأسف هناك من يساعد على تأجيج الاضطرابات والنزاعات من الداخل، وهو يدرك أن ما يقوم به سيترتب عليه دمارٌ شاملٌ لموطنه، ويؤدي بالتبعية إلى تقويض قضيته العادلة، ويذهب بالمستقبل دون رجعة.


لقد عانينا من الفوضى في بلادنا جراء ثورة يناير، وما تمخض عن ذلك من سلبيات مازالت آثارها باقية؛ لذا لدينا قناعة تامة بأن ما يقوم به المغرضون في إشاعة الفوضى؛ إنما يستهدفون هدم الدولة، وتحويل ساحتها إلى لهيب يحرق كل من فيها وما عليها من مقدرات، ويخلق الفرصة للانقضاض على الأراضي، التي حررت بالدماء، وفقدت على ترابها فلذات الأكباد.


وفي حالة الفوضى تبحث كل دولة على ضالتها؛ لتحقق أقصى استفادة جراء الأحداث بصورة مباشرة وسريعة؛ لأن الجميع منشغل في التناحر والاقتتال، ومحاولات السيطرة على مقاليد الحكم، ومن ثم يسهل أخذ الغنيمة؛ فليس هناك من يمتلك المقدرة للدفاع، أو حتى توجيه المساءلة لمن ينتهك حدوده وأرضه وعرضه؛ فقد بات الأمر خارج السيطرة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.


إننا نعيش حقبة من الزمن غير مسبوقة؛ حيث التوافق على مصالح بين بعض الدول، ولو ترتب عليها هدم دول أخرى؛ فكل متحالف لديه مبرر لما يقوم به، ومن ثم يقدم التسهيلات ويدفع بالذين يضيرون بأوطانهم ويهدمونها بأيدهم، ولا يبالون للكوارث التي تترتب على هذا الأمر الخطير؛ فالوعي بكل أنماطه تم تشويهه وتزييفه، وتم تجهيز أصحاب المهام المستحيلة وتجهيز الميدان لهم وإمدادهم بكل ما يحققون به الهدف السامي من وجهة نظرهم وفي ضوء معتقدهم.


وفي خضم الفوضى تتغير المواقف وفق معادلات المنفعة؛ فيترك الخليل خليله، ويبيع الصديق صديقه، ويبحث كل منهما عن ضآلته، والضحية في نهاية المطاف هي الأوطان التي تسلب مقدراتها، وتنتهك أراضيها، وتحتل أميزها وأفضلها، بأي سبب كان؛ فالأجندات مليئة بالمبررات الواهية التي تقدم للمجتمع الدولي، وضمير هذا المجتمع بات يتقبل كل شيء؛ فلا معيار ولا محك يعول عليه في الوصول للحقيقة والمصداقية؛ فقد ذهب كل ذلك وغيره من قيم الإنسانية أدراج الرياح.


وضحية فوضى المنطقة هم الشعوب دون جدال؛ فلا حول لهم ولا قوة، وفي الواقع نرصد حالة من الوعي المشوب لدى غالبية الشعوب التي تقبلت التفكك بنسيجها وبداخلها؛ فقد وقعت فريسة لأفكار غير صحيحة، تحت وطأة اللعب على المشاعر والخطب العصماء، وجهل حقيقة الأمور، وما يجري من اتفاقات ومخططات تستهدف الإطاحة بالأوطان؛ لتصبح لقمة سائغة للعدو الذي نقض دون شفقة، أو رحمة على مقدرات الشعوب؛ ليشبع أطماعه ويحقق مآربه، التي تقع في مكنون مخططاته المرسومة من أزمنة عديدة.


ومما لا شك فيه أن الفوضى في منطقة الشرق الأوسط لا تخلق ولا تخلف إلا مزيد من الشرذمة والتقسيم لوحدة الشعوب ووحدة أراضيها، ومن ثم تصبح الأراضي وكرًا للإرهاب والتطرف وبؤر نشطة لدعم عدم الاستقرار في كافة الأوطان؛ إنها مخططات مرسومة بإتقان وبحرفية ويسير عليها الجميع بصورة تلقائية دون وعي أو رشد.


ووسط فوضى المنطقة وما نشعر به من ألم عميق وجرح غائر تجاه ما آلت إليه الأمور؛ إلا أن جمهورية مصر العربية دولة قوية مستقرة تستلهم ذلك من نسيجها المتماسك، ووعي شعبها، وإخلاص مؤسساتها الوطنية، وعزيمة وإرادة قيادتها السياسية الحكيمة؛ فقد أحبط المصريون وشرفاء الوطن الحر شتى المخططات التي استهدفت النيل من الدولة وتفكيكها؛ فقد خاضت مصر حربًا ضروسًا من خلال جيشها العظيم وشرطتها الباسلة وشعبها المخلص وقيادتها الجسورة؛ فتم بفضل الله تعالى قهر وردع ودحر من دبر وخطط للنيل من مقدراتها.


نتمنى من الله جل في علاه أن تزول الغمة وتستقر المنطقة؛ لتستفيق الشعوب وتتجه نحو الإعمار والبناء وتنهض بمقدراتها، وتعيش في سلم وسلام واطمئنان واستقرار، وأن تزول كل صور الظلم والطغيان من على وجه الأرض، وأن تصبح بلادنا مليئة بالخير موفقة في مساعي نهضتها وتنميتها رافعة راية السلام وسلاح الحق.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

--------------------------

أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة