كانت قطرات المطر تنقر زجاج النافذة المطلة على حديقة البناية... لفت انتباهها منظر الحديقة وكأنها تلحضها لأوّل مرة.. تبدو جرداء، مقفرة وحزينة على غير العادة ... أيعقل أنها تُشاركها حدادها؟
اعتراها شعور غريب للكتابة، لم تعد تحتمل اختناقها بكل تلك الكلمات التي لا تستطيع البوح بها...
مضحك أن يختنق أحدهم ببضع كلمات أليس كذلك؟ ..مضحك حقا ولكن ليس مستحيلاً...
أخذت تبحث عن دفترها في كومة الكتب والوثائق التي تغطي المكتب منذ وقت طويل ..
تناولت القلم وخطّت أولى كلماتها وهي شبه مغمضة العينين:
"لم أعد أحتمل الرجوع إلى الماضي ولم أعد قادرة على قراءة محادثاتنا مرارا وتكرارا ..حفظت كل كلمة عن ظهر قلب.. يجب أن أصدّق أنك لم تعد موجودا على وجه هذه البسيطة بعد الآن.. أتساءل دوما كيف يكون غياب أحدهم حاضرا بكل هذه القوة؟ كيف لي أن أشفى؟ وكم من دفتر أحتاج لدفن كل ما توفي داخلي.. أبت جروحي أن تلتئم مرة من وجودك والآن من رحيلك! أُجهِضت كل محاولاتي في إنقاذ ما يجب إنقاذه وها أنا واقفة في محكمة مشاعري شاهدة على توزيع الظلم بكل عدل.. ها أنا أعدِمُ نفسي بقلمي كل مرة علناً لعلي أجد ذلك السلام الذي يتحدثون عنه.. هيهات، هيهات، ضاع القلم ومعه السلام"
وضعت الدفتر جانبا وتنفست الصعداء وكأن حملا ثقيله قد سقط للتو عن كتفيها...
لا تعلم ما كان ذلك ...كأنها أفاقت من سبات طويل ..أو ربما غيبوبة..
أخذ المطر يزداد غزارة في الخارج..عادت إلى مكانها أمام النافذة المطلّة على حديقة البناية ...
عادت للتحديق في منظر الحديقة.. جرداء، مقفرة وحزينة..كأن الهريف لا يريد أن ينتهي مطلقا.. وكأنه على قيد النسيانِ أبدا..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة