تمر اليوم ذكرى تحرك الإمام الحسين بن على بن أبى طالب، رضى الله عنهما، من مكة المكرمة طالبا الكوفة استجابة لدعوات التأييد التى جاءته من هناك، وذلك فى 22 سبتمبر من عام 680 م، على أثر الرسائل الكثيرة التى أرسلها أهل الكوفة إلى الإمام الحسين، عندما كان فى مكة المكرمة، فرأى أن يرسل مندوبًا عنه إلى الكوفة، فوقع الاختيار على ابن عمه مُسلم بن عقيل، لتوفر مستلزمات التمثيل والقيادة به.
وبحسب كتاب "أبو الشهداء.. الحسين بن على" للأديب الكبير عباس العقاد، فان عمل يزيد بوصية أبيه، فلم يكن له هَمٌّ منذ قيامه على الملُك إلا أن يظفر ببيعة الحسين وعبد الله بن الزبير في مقدمة النفر الذين أنكروا العهد له في حياة معاوية، وكان الوليد بن عقبة بن أبي سفيان والي معاوية يومئذٍ على المدينة، فلما جاءه كتاب يزيد بنعي أبيه، وأن يأخذ أولئك النفر بالبيعة «أخذًا شديدًا ليس فيه رخصة» دعا إليه بمروان بن الحكم، فأشار عليه بمشورته التي جمعت بين الإخلاص وسوء النية، وفحواها أن يبعث إلى الحسين وابن الزبير، فإن بايعا وإلا ضرب عنقيهما!
وحدث بين الحسين والوليد ما تقدمت الإشارة إليه في محضر مروان؛ إذ عاد الحسين إلى بيته، وقد عوَّل على ترك المدينة إلى مكة كما تركها ابن الزبير من قبله، فخرج منها لليلتين بقيتا من شهر رجب سنة ستين للهجرة، ومعه جُلُّ أهل بيته وإخوته وبنو أخيه، ولزم في مسيره إلى مكة الطريق الأعظم فلم يتنكبه كما فعل ابن الزبير مخافة الطلب من ورائه. فصحت في الرجلين فراسة معاوية في هذا الأمر الصغير، كما صحت في غيره من كبار الأمور.
وانصرف الناس في مكة إلى الحسين عن كل مُطالِب بالخلافة غيره، ومنهم ابن الزبير، فكان ابن الزبير يطوف بالكعبة كل يوم ويتردد عليه في صباحه ومسائه، يتعرف رأيه وما نُمِيَ إليه من آراء الناس في الحجاز، والعراق، وسائر الأقطار الإسلامية، فلبث الحسين في مكة أربعة أشهر على هذه الحال، يتلقى بين آونة وآونة دعوات المسلمين إلى الظهور وطلب البيعة، ولا سيما أهل الكوفة وما جاورها؛ فقد كتبوا إليه يقولون: إن هنالك مائة ألف ينصرونك. وألحوا في الكتابة يستعجلونه الظهور.
وتردد الحسين طوال هذه الأشهر فيما يفعل بهذه الدعوات المتتابعات، فبدا له أن يتمهَّل حتى يتبين جلية القوم ويستطلع طلعهم من قريب، وآثر أن يرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب يمهد له طريق البيعة إن رأى فيها محلًّا لتمهيد.
وبحسب وصف "العقاد" لعل أنصح الناس له في هذه المسألة كان عبد الله بن عباس؛ لما بينهما من القرابة، وما عرف به ابن عباس من الدهاء. سأله: إن الناس أرجفوا أنك سائر إلى العراق، فما أنت صانع؟ قال: قد أجمعت السير في أحد يوميَّ هذين.
فأعاذه ابن عباس بالله من ذلك، وقال له: إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك، إن أهل العراق قوم غدر، أقِم بهذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز، فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فلينفوا عدوهم ثم أقدم عليهم، فإن أبيت إلا أَن تخرج فسِر إلى اليمن، فإن بها حصونًا وشعابًا ولأبيك بها شيعة.
فقال له الحسين: يابن العم! إني أعلم أنك ناصح مشفق، ولكني قد أزمعت وأجمعت على المسير، قال ابن عباس: إن كنت لابد فاعلًا، فلا تخرج أحدًا من ولدك ولا حرمك ولا نسائك، فخليق أن تُقتل وهم ينظرون إليك كما قُتِلَ ابن عفان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة