إن مواجهة العيوب شيء صحي، حتى تصحح مسارها على بينة منها، فرعاية النفس وتربيتها، تحتاج إلى تطبيب النفس وعلاجها، بعد معرفة ذاتها، فالحقيقة الظاهرة، والعيوب المكشوفة للعيان، وغير المكشوفة، تحتاج إلى علاج، بعد التوصيف الصحيح، أما المجاهرة ثم الوقوف بها، إلى غير خطوة، فى سبيل الوصول إلى السلامة، هو جهد ضائع.
إن النفوس لن تخلو يوما مما تحمل من شر وخير، تتآلف منه كل نفس آدمية، هنا تكون المعرفة، فالوعى بها هو المنقذ للإنسان، وهو الكشًاف الذى يُضيء للنفس معالم الطريق، الذى ينبغى له سلوكه، والمضى فيه، فالذين يجهلون، ولا يعترفون بعيوبهم، لن يستطيعوا أن ينالوا الحلول فى تربية نفوسهم ونجاتها، ومعرفة الإنسان هى التى تُصحح، له الطريق، وتقوده حيث يجب، وليس هذا معناه، أنها خلت من كل عيب، إنما معرفتها ومواجهتها، هى أشبه بترويض، ترويض النفس على العمل، على سلوك أخلاقى معين، ترويضها على الخير، على محاربة الشر الساكن فى أعماقها، تقيده، وتحرر النفس من قبضتها وتجعل للخير النصيب الأوفى.
ففى كل نفس إنسانية مواضع ضعف، إذا تعامل الإنسان معها بشيء من المصداقية، أو مواجهتها، وليس الهروب منها، فقد ينجح فى أن يزيلها، أو تتحول مع الزمن إلى نقاط قوة، فإذا عرف الإنسان عيبه، وأجتنب ما يقويها، فقد نجح فى تقليصها، أو إنقاصها إن لم يفعل على محوها، أما أن يحاول أن يزينها، ويجعل منها موضع قوة، فهو الباطل، الذى ما يلبث أن يُكتشف، وإن طال بعض الوقت، فلا مناص من تعريته، وإظهار مكامن ضعفه، فيصير عيب مرئي، ويكون إشارة على فساده، تلصق به مدى الدهر، فكثير ما يعجز الإنسان عن مجابهة أخطائه، والتخلص من عيوبه، وصفاته السلبية، فيجعل منها تمثال حسن المظهر، يلفت به الأنظار، ظنا منه بكفاءته فى مغافلة الناس وخداعهم، فهو يعلو بما فيه إلى أعلى عليين، وإن كان من العيوب والمساوئ، ويهبط بغيرها إلى أسفل سافلين، وإن كان من الصفات الخيرة، فهو يغير الحقائق، لضعفه عن المواجهة والتغيير.
وفى معرفة النفس أبواب تُفتح للولوج إلى حقائقها، فمعرفة ما تتميز به من صفات، وما يعتريها من نقائص، ومواجهتها بحالها، تصحيح مسارها، ومعرفة ما يضعفها، ويقويها، إنها تحليل قائم على العلم بها، فإذا ما كان الدواء الصحيح، كان الشفاء، فكأنه أعلن سبب مرضها وشخص التشخيص السليم، ومن ثم كتب لها روشتته، التى بها يكون الشفاء، حين يكتب لها الدواء على بينة من معرفة المرض. ففى كل مواقف الحياة التى تصدر عنا أو عن غيرنا، إنما هى خلاصة ما يشعر به الإنسان، ويكمن فى ضميره، فإن كان الفعل سيئا، رده إلى أسبابه الأصيلة، أستطاع أن يبرأ، أم إذا خدعها أو تغاضى عن سلبياتها، فإنما يساهم فى أن يشتد المرض به، وربما أستفحل حتى يعجز بعد ذلك، عن القيام بمساعدت نفسه، ناهيك عن الأخرين، فى أن يبرأ مما أصابه، وكلما كانت الأمور أوضح فى معرفة النفس، كان توجهها إلى ما يصلح أسهل، وأن الجهل بها يجعلك متذبذ، لا قرار، ولا رؤية، وإنما تتخبط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة