أتُراك نسيت؟ أنا لم أنسى ولكني أحاول النسيان تعبت من التفكير.. من الأرق.. الذي يطاردني في الصباح وفي المساء.. ومن الكوابيس.. التي تنغص علي النوم, فتحيله إلى طرقات في الرأس, وصرخات لا تنتهي, سئمت تلك الحياة, التي تقطر في مسامعي, تلك الصرخات, وأتعاطى فيها الألم, كأنه فرض. سئمت جوع نفسي إلى الحب, الذي يبتعد ويبتعد. سئمت تلك الأنفاس الحارة, الممزوجة بلهيب, يكوي بواطن النفس. بعد كل هذا تريدني أن أتذكر, وأن أرصد تلك العذابات, أن أجعلها عنوان حياتي, كيف لي أن أقف؟ أتصدى لها؟ وأنا هشة ضعيفة, قدمايا لا تقوى على حمل كل هذا الألم, كيف تريدني ألا أتناسى, أن أتجاهل, أن أبتعد عن تلك الرياح القوية, إذا كان الهروب منها مستحيل, عشت سنوات يأكل من لحمي, وأنا أنظر إليها, تتفتت تنقص حينا بعد حينا, تشوى من نار السعير. هبني لحظات من نعيم أستعيد بعض عافيتي كي أقاوم من جديد, دع الهواء النقي يدخل في صدري, قليلا كي أستطيع أن أرى السماء, أن أفتح عيني لأرى النور, أنا ليل سرمدي في عيون بائسة, تلك النجوم لا أراها, تلقي في فؤادي, بشرر يتطاير, يعبث بكل خوالجي, تكدرت الأشياء جميعا, كنت فقط أحاول أن أهرب قليلا, إلا أني الأن هرم, إن الكبوات تتراكم في طريقي, ورغم ما أتفاداه, إن ما أقع فيه, يفوق كل حد, اه لو ترى ما أرى, أو تسمع ما أسمع, لم بقيت حيا, إن الجبال التي أحملها فوق ظهري, تراكت في, كم أرغب ليس في أن أتناسى, كم تظن, ولكي أرغب في أن أفقد ذاكرتي, ألقي بها في البحر, في قاعه, في أعماقه السحيقة, كم أتمنى لو أغتلتها وأعود بلا ذاكرة, بلا هوية, أعود بلا شيء, لا أحمل سوى النور في قلبي, يفيض على الوجود من حولي, أعود بقلب بكر, ذاكرة بيضاء من غير سوء, أعانق الأشياء بروحي, وأنتقي من كل شيء أجمله, أقف على باب قلبي, أدخل الخير وأطرد الشر, أحمل بين يدي باقة من ورد, أوزعها على الفقراء, ممن لا رحمة في قلوبهم, على المساكين ممن أنستهم الحياة معنى الحب, أطوف في ساحات الأسواق, أبيع مع الحب, أهبه لهؤلاء المحرومين, فكما يبيعون الخبز, أبيع الهوى, أتجول بكميات كبيرة منه, أغدق عليهم, أذكرهم بالإنسان, بطبيعة الإنسان, بأبانا الذي في السماء, بالرب حين يتجلى في أفق السماء, في السحاب, في النجوام, في الإنسان, في الروح التي تسكنه, ليتني أعود بلا ذاكرة, أرسم طريقا جديدا, ووحيا يهبط يذكرهم بالإيمان المفقود الضائع, أتراني أنسى, أعود كما أرغب, أنني أسير الوجع, أصاحب الأحزان, أعتنق الهموم دينا, أؤدي له طقوس الولاء, والطاعة العمياء, أتحين الفرصة كي أغادر, أرحل في صمت, لكن اللحظات تتوقف, والوقت مات, عند عتبات الحزن المضني, أسر لك القول, إن ما يحدث, هو بقايا من نار أشعلتها الحياة, في جسد تناثر عبر الزمن, فلم يبقى منه إلا ما ترى, أعلم أنك تتألم لي, ولكن لا تحمل ما أشعر به, لك أن ترحل, أن تهرب بنفسك, قبل العدوى, أن تنتشر في الأرواح الرديئة, فتموت كما يموت كل شيء جميل سنوات من الزحف, فوق تراب الصحراء الملتهب, ولا نتيجة إلا الحروق, التي تشوه الأشياء, حروق تطال الروح, كما طالت الجسد, تمتد القروح, وتنتشر رائحة اللحم المشوى, تزكم الأنوف, في ربيع إحدى السنوات, أزهرت الأشجار ورقا جافا, وورود سوداء, وزرقاء, كان ربيع من دركات الجحيم, زار بلادنا, أستهولت الناس مارأت, كيف للربيع أن يزهر الحزن, البراعم الصغيرة جماجم, ترعب وترهب, عام من الحزن بكت فيها كل العيون ساعة من الخوف, وساعات من نزيف الروح, همت بزوال العالم, بموت كل شيء, بأن تبيد وتباد.
خالد دومة
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الموضوعات المتعلقة
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة