تمر، اليوم، الذكرى الـ 769 على قيام الملك عز الدين أيبك بالتخلص من منافسه فى الحكم الأمير أقطاى، وبذلك توطد له حكم المماليك، وذلك بعد أن تزوجته وتنازلت له عن العرش شجر الدر سلطانة مصر وأرملة السلطان الأيوبى الصالح أيوب، وبقى سلطانًا على مصر إلى أن اُغتيل بقلعة الجبل.
وعز الدين أيبك الجاشنكير التركمانى الصالحى النجمى، يعد أول سلاطين دولة السلاطين في مصر، إذ نصب سلطانًا على البلاد عام 1250م، بعد زواجه من السلطانة شجرة الدر زوجة أخر ملوك الدولة الأيوبية الصالح أيوب، وهو من أصل تركمانى حيث ان اسم أيبك يتكون من مقطعين بالتركية (أي) وتعنى قمر و(بك) وتعنى أمير، بعد زواجه تآمر أيبك مع الأمير سيف الدين قطز والمماليك المعزية على اغتيال فارس الدين أقطاى والقضاء على مماليكه فقام أيبك بدعوة أقطاى إلى قلعة الجبل لأخذ مشورته فى أمر ما واغتاله.
وجسدت واقعة اغتيال الأمير أيبك للأمير المملوكي فخر الدين أقطاي في فيلم "وإسلاماه" إنتاج عام 1961، للمخرج حسام الدين مصطفى، وقدمت دور السلطانة شجرة الدر، الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا، ولعب دور الأمير أيبك الفنان عماد حمدي، ولعب دور الأمير أقطاى النجم الراحل محمود المليجي.
وجاء في الفيلم صراع أيبك وأقطاي ومحاولاتهما للزواج من شجرة الدر للحصول على العرش فتتزوج من أيبك وتقتل أقطاي، بعدما طلبت من كلا منهم أن يركع لها، فأبى أقطاي الركوع لأرملة الملك الصالح أيوب معتزا بنفسه وبتاريخه العسكري، فيما سمح دهاء أيبك بالركوع للسلطانة، وبعد اتمامها الزواج من أيبك، قررت شجرة الدر قتل أقطاي خشية انقلابه عليها وتقتل فيما بعد أيبك لأنه كان يريد العرش، وقامت أرملة أيبك بقتل شجرة الدر انتقاما منها، كل هذا حدث في الفيلم الذي أخذ عن نص الكاتب الكبير على أحمد باكثير، فهل ما جاء فيه حدث فعلا؟
وفقا لكتاب "التتار من البداية إلى عين جالوت" للدكتور راغب السرجاني، فأنه لم تتوقف الاعتراضات على شجرة الدر بعدما وصلت إلى سدة الحكم خلفا لزواجه ومقتل الأمير توران شاه، ولم تنعم بيوم واحد فيه راحة، وخافت الملكة الطموحة على نفسها، وبالذات في هذه الأيام، وكان التغيير في هذه الأيام بالسيف بالذبح لا بالخلع أبداً، ومن هنا قررت الملكة شجرة الدر بسرعة أن تتنازل عن الحكم لرجل تحكم البلاد من خلاله.
لكن شجرة الدر، كانت تريد استمرار زمام أمور الحكم في يدها حتى لو كان من الباطن، لذلك كانت لا تريد أن تتزوج رجلاً حقيقة، وإنما تريد فقط صورة رجل؛ لأنه لو كان قوياً لحكم هو ولتمسك بمقاليد الأمور في البلاد، فهي تريد رجلاً ضعيفاً، وليس من عائلة قوية أصيلة، حتى لا تؤثر عليه عائلته.
فوضعت شجرة الدر كل هذه الحسابات في ذهنها، ثم اختارت رجلاً من المماليك اشتهر بينهم بالعزوف عن الصراع، والبعد عن الخلافات والهدوء النسبي، وكانت هذه الصفات حميدة في نظر شجرة الدر، فوجدت في هذا الرجل ضالتها، وهذا الرجل هو عز الدين أيبك التركماني الصالحي، إذ قررت الابتعاد عن أمراء المماليك الأقوياء، ولم تختر رجلاً من المماليك الأقوياء أمثال فارس الدين أقطاي أو ركن الدين بيبرس أو غيرهما؛ وذلك لتتمكن من الحكم بلا منازع، وبالفعل تزوجت شجرة الدر من عز الدين أيبك، ثم تنازلت له عن الحكم رسمياً، وذلك بعد أن حكمت البلاد (80) يوماً فقط، وتم هذا التنازل في أواخر جمادى الآخرة من سنة (648) من الهجرة.
وبعد أربع سنوات من تولى الأمير أيبك الحكم، وبالتحديد في سنة 652 هـ،فكر أقطاي الذي كان كبير قواد الجيش المصري بالتزوج من إحدى الأميرات الأيوبيات، وكان الملك المعز عز الدين أيبك يراقب الموقف، وأدرك فوراً أن أقطاي يحاول أن يضفي على نفسه صورة جميلة أمام الشعب، وأن يجعل له انتماء واضحاً للأسرة الأيوبية التي حكمت مصر قرابة الثمانين سنة، وإذا كانت شجرة الدر حكمت مصر لكونها زوجة الصالح أيوب، فلماذا لا يحكم أقطاي مصر؛ لكونه زوجاً لأميرة أيوبية، فضلاً عن قوته وبأسه وتاريخه، وهو الذي قاد الجيش المصري في موقعة المنصورة، وله ذكريات وأمجاد كبيرة في مصر.
كل ما سبق جل الملك المعز عز الدين أيبك يشعر الخطر الشديد، وأن هذه بوادر للانقلاب عليه، والانقلاب عادة ما يكون بالسيف، فاعتبر أن ما فعله أقطاي سابقاً من إهانة واحتقار، وما يفعله الآن من زواج بالأميرة الأيوبية ما هو إلا مؤامرة لتنحية أيبك عن الحكم، ومن ثم أصدر أيبك أوامره بقتل زعيم المماليك البحرية فارس الدين أقطاي؛ لأنه ينوي الانقلاب، فتم قتل فارس الدين أقطاي بأوامر الملك المعز وذلك في 3 شعبان سنة 652 من الهجرة، وبقتل فارس الدين أقطاي خلت الساحة لـ عز الدين أيبك، وبدأ يظهر قوته بوضوح ويبرز كلمته، وبدأ دور الزوجة شجرة الدر يقل ويضمحل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة