حرر محمد على باشا بيانا يرسله إلى الباب العالى العثمانى يذكر فيه ما أنفقه فى مصر من الخراج، وقدره نحو 4 آلاف كيس، وأنها صرفت فى مهمات تختص بشؤون البلاد، منها ما صرف فى سد ترعة الفرعونية، وما صرف على الحملات العسكرية لمحاربة المماليك، وما أنفقه على عمارة القلعة، وترميم المجراة وحفر الترع، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على».
يضيف «الرافعى» أن محمد على أوضح فى بيانه أن الميرى نقص بسبب الشراقى، وأرسل البيان إلى عمر مكرم نقيب الأشراف لإقراره والتوقيع عليه، فامتنع وأظهر الشك فى محتوياته، وقال للرسول الذى حمله إليه: «أما ما صرفه على سد ترعة الفرعونية، فإن الذى جمعه وجباه من البلاد يزيد على ما صرفه أضعافا كثيرة، وأما غير ذلك فكله كذب لا أصل له»، وكان جوابا جافا شديد اللهجة.
يذكر «الرافعى» أن العلاقات بين الاثنين وقتئذ كانت سيئة، بالرغم مما قام به عمر مكرم من قيادة الانتفاضة التى أوصلت محمد على إلى حكم مصر فى 13 مايو 1805، ويضيف: «أخذ رسل السوء يزيدون هوة الخلاف اتساعا بين محمد على وعمر مكرم، وينقلون إلى الباشا ما يقوله عمر فى مجالسه، ويزيدون عليه ما سولت لهم أغراضهم، وأحاط الباشا بيت عمر بالجواسيس لمراقبة حركاته وسكناته».
يؤكد الرافعى، أن محمد على زاد حنقه من رفض عمر التوقيع على بيان النفقات، التى يريد إرسالها إلى الباب العالى، بالإضافة إلى رفضه مقابلة الباشا، ولما كثر التراسل بينهما حول هذا الشأن، وافق عمر على المقابلة على أن تكون فى بيت الشيخ السادات، لكن محمد على شعر بالإهانة، وكبر عليه أن تكون المقابلة بينهما فى دار غير مقر حكمه، وقال: هل بلغ له أن يزدرينى ويأمرنى بالنزول من محل حكمى إلى بيوت الناس، وصمم على البطش به.
يذكر الدكتور عبدالعزيز محمد الشناوى فى الجزء الثانى من كتابه «الأزهر جامعا وجامعة»: «اتجه تفكير محمد على إلى عزل عمر مكرم من نقابة الأشراف ونفيه إلى دمياط، ولجأ لتنفيذ ذلك إلى حيلة وهى الاحتكام إلى فيما شجر بينهما من خلاف أمام مجلس شرع يتألف من القاضى وكبار علماء الأزهر الوصوليين، وكان مطمئنا من قبل إلى تحيزهم له، فإذا هو استجاب للدعوة بالحضور وقبل مجلس الشرع خرج منه مغلوبا، وحينئذ يكون لمحمد على الحق فى أن ينفذ حكمه، وإن لم يحضر كان امتناعه فى ذاته خروجا على السلطة الشرعية».
يضيف الشناوى: «نزل محمد على من القلعة إلى دار ابنه إبراهيم فى الأزبكية، صباح 9 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1809، وطلب القاضى والشيخ محمد السادات الطامع فى نقابة الأشراف، والشيخ الشرقاوى وسائر العلماء المتصدرين لعقد مجلس الشرع، وتقرر إرسال مندوبين إلى عمر مكرم، أحدهما من طرف الباشا، والآخر من طرف القاضى يدعوانه إلى الحضور، وأدرك عمر مكرم أبعاد المؤامرة، ورأى أنه من العبث أن يذهب إلى مجلس الشرع، فآثر الامتناع عن إجابة الدعوة، واعتذر لأنه شرب دواء، وليس فى مقدوره الحضور فى هذا اليوم، فأثبت القاضى فى محضر المجلس امتناع عمر مكرم عن الحضور، وكان محمد على قد أحضر معه خلعة، فألبسها للشيخ محمد السادات رمزا لتعيينه نقيبا للأشرف بدلا من عمر مكرم الذى عزله من النقابة، وأمر فى ذات الوقت بكتابة فرمان بنفى عمر مكرم إلى دمياط، وكانت هذه المدينة منفى للمغضوب عليهم.
يذكر «الشناوى» أن المشايخ تظاهروا بالعطف على عمر مكرم نفاقا ورياء، فتشفعوا لدى محمد على لإمهاله ثلاثة أيام حتى يقضى أشغاله، فأجيبوا إلى ذلك، ثم سألوه أن يأذن له بالذهاب إلى أسيوط مسقط رأسه لتكون منفى له، فرفض، وحسب «عبدالرحمن الجبرتى» فى موسوعته التاريخية «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»، فإن عمر مكرم علق على ذلك قائلا: «أما منصب النقابة فإنى راغب عنه زاهد فيه، وليس فيه إلا التعب، وأما النفى فهو غاية مطلبى»، ثم طلب نفيه إلى جهة لا يحكمها محمد على، إذا لم يأذن له بالذهاب إلى أسيوط، واختار «الطور» أو «درنة» بطرابلس الغرب، لكن «الباشا» أصر على نفيه إلى دمياط، فاستعد عمر مكرم للسفر، ووكل عنه السيد «المحروقى» كبير تجار القاهرة، وعهد إليه إدارة أملاكه ورعاية أهل بيته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة