حين توفى عالم الآثار المصرى أحمد باشا كمال، فى 6 أغسطس، مثل هذا اليوم 1923، اهتزت مصر كلها، ونشرت الكثير من الصحف الخبر، أشهرها جريدة «اللطائف المصورة» فى عددها رقم 445 أغسطس 1923، وذكرت مدى تعرضه للظلم والقهر بسبب عدم استطاعته الحصول على فرصته كعالم آثار مصرى بسبب وجود الأجانب بشكل كبير فى هذا القطاع، وفقا للدكتورة عزة عزت فى مقالها «معجم أحمد باشا كمال، أول قاموس «هيروغليفي - عربي - فرنسي» بمجلة « ذاكرة مصر، عدد 50، خريف 2022».
ولد أحمد كمال باشا فى عام 1851 وكان من البنائين العظام فى تاريخ مصر فى الحفاظ على ذاكرتها التاريخية، ويذكر الدكتور لؤى محمود سعيد فى كتابه «كمال ويوسف.. أثريان من الزمن الجميل»: «كان أحمد كمال أول أثرى مصرى يعمل فى المتحف المصرى، وأول من نشر كتابا عن الآثار المصرية باللغة العربية، وأول مصرى يتعلم ويقوم بتدريس الهيروغليفية ليؤلف معجما كاملا بالأصول المشتركة لهذه اللغة واللغة العربية، وتتلمذ على يديه كثيرون أمثال سليم حسن، وسامى جبرة، ومحمود حمزة، بل وطه حسين عميد الأدب العربى، وكان القوة الدافعة وراء إصدار قوانين حماية الآثار فى نهاية القرن التاسع عشر، وشارك فى نقل متحف بولاق للجيزة، ثم لقصر النيل (متحف ميدان التحرير حاليا).
يضيف لؤى محمود سعيد: «كان أحمد كمال من بين عشرة طلاب من النابهين، خاصة فى اللغة الفرنسية ممن أتمّوا دراسة الفرقة الثانية بالمدرسة التجهيزية ومدرسة الإدارة ومدرسة المساحة والمحاسبة ليكونوا النواة، التى تفتح بها مدرسة اللسان المصرى أبوابها عام 1869، ليدرس بعدها الآثار المصرية، ويحاول أستاذه الألمانى بروجش إلحاقه بالمتحف المصرى فيعارض مديره الفرنسى «مارييت» ليوزع جهده فى عدة أعمال بين معاون ومترجم، وبالرغم من حيثية الوظائف ودخلها آنذاك إلا أنه دخل الآنتيكخانة (مصلحة الآثار) مترجما، ومعلم لغة قديمة، ويعتدل مسار الحياة حين يكلف الخديو توفيق، رياض باشا عام 1879 بتشكيل الوزارة، ليكون على باشا مبارك وزيرا للأشغال العمومية التى كانت تتبعها مصلحة الآثار فيستحث مبارك، الداعى لإصلاح التعليم وتوسيع نطاقه ليشمل كل المصريين رياض باشا على رفع الغبن عن أحمد كمال، لتنطلق مسيرته، ويلقى فى تأثيره فيمن حوله».
يعترف الدكتور طه حسين بتأثره بأحمد كمال باشا، كاشفا فى سيرته «الأيام» أنه حين التحق بدراسته فى الأزهر بدءا من عام 1902 لم يكن سمع قط درسا فى تاريخ الفراعنة، ولم يسمع اسم رمسيس أو إخناتون، وبعد التحاقه بالجامعة المصرية عام 1908 «رأى نفسه ذات ليلة فى غرفة من غرفات الجامعة يسمع الأستاذ أحمد كمال يتحدث عن الحضارة المصرية القديمة، ويذكر رمسيس وإخناتون وغيرهما من الفراعنة، ويحاول أن يشرح للطلاب مذهبه فى الصلة بين اللغة المصرية القديمة واللغات السامية ومنها اللغة العربية، ويستدل على ذلك بألفاظ من اللغة المصرية القديمة يردها إلى العربية مرة وإلى العبرية مرة وإلى السريانية مرة أخرى، وهو أعظم دهشة وذهولا حين يلاحظ أنه يفهمه فى غير مشقة ولا جهد.
تعدد الدكتورة عزة عزت إنجازات أحمد كمال باشا، قائلة: «شارك فى الكثير من البعثات والاكتشافات الأثرية فى مير ودير البرشا وأسيوط والعمارنة، وأشهرها خبيئة المومياوات بمنطقة الدير البحرى عام 1881»، ويذكر لؤى محمود أن من هذه الخبيئة استقى المخرج شادى عبدالسلام من أحداثها الحقيقية أول مشاهد فيلمه الفريد (المومياء) وفيها تم تجسيد أحمد كمال نموذجا للمثقف المستنير المتفانى للدفاع عن تراث أجداده».
تذكر عزة عزت، أن كمال حصل على الرتبة الثانية التى تمثل لقب «بك» وقبل وفاته حصل على رتبة «ميرميران» وهو من رتب الباشوية والتى منحها له الملك فؤاد، ووصلت مؤلفاته إلى ثمانية كتب، أهمها معجم اللغة المصرية القديمة الذى أطلق عليه «قاموس هيروغليفى - عربى» ويضم 22 مجلدا، ويعد عملا فريدا من نوعه، إذ يحمل كل مجلد حرفا من الأحرف الهيروغليفية، وهو مترجم إلى اللغة الفرنسية والعربية، بالإضافة إلى القبطية والعبرية واليونانية، والأمهرية والأشورية فى بعض الكلمات، فضلا عن استخدام مجموعة خطوط، وهى الهيراطقية، والديموطيقية فى بعض الإيضاحات فى قائمة المفردات بالقاموس، لذا فهو عمل معجزة بكل المقاييس، وظل منذ عام 1923 فى منزل الأسرة حتى أهدته لمكتبة الإسكندرية عام 2020.
ترى عزة عزت، أن أحمد كمال باشا لا يقل أهمية عن «شامبليون»، فكلاهما أحدث ضجة علمية كبيرة فى علم المصريات، فإذا كان «شامبليون» فك رموز حجر رشيد لإجادته اليونانية والقبطية، فإن «كمال» استطاع ربط جذور الكتابة الهيروغليفية باللغة العربية واللغات السامية وترجمة المعجم بالكامل إلى الفرنسية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة