أصدرت محكمة مصر الشرعية، برئاسة الشيخ أحمد أبوخطوة، فى 11 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1904، حكمها ببطلان عقد زواج صفية السادات والشيخ على يوسف صاحب جريدة المؤيد، وصديق الخديو عباس الثانى، فى القضية المرفوعة من الشيخ عبدالخالق السادات والد صفية، بعد أن فوجئ بعقد القران دون علمه وبموافقتها وإرادتها، وطالب بالتفريق بينهما لعدم أهلية الزوج، وأصدر «أبوخطوة» قراره بالحيلولة بينهما لحين إصدار الحكم، وأقامت «صفية» فترة حيلولتها فى بيت الشيخ عبدالقادر الرافعى مع تضامنها فى القضية مع زوجها.. «راجع، ذات يوم، 1 أغسطس 2023».
كان أحمد شفيق باشا، رئيس ديوان الخديو عباس الثانى، شاهدا على تفاعلات هذه القضية، ويذكرها فى الجزء الثانى من مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»، مشيرا إلى وقائعها المثيرة، وما جرى أمام المحكمة من محاولات إثبات كفاءة أصول كل طرف لنفسه فى مقابل التسفيه والحط من قدر الطرف الآخر، ووصف محامى الشيخ السادات، أن على يوسف من أصول فقيرة، ويمتهن مهنة حقيرة هى الصحافة.
كما يذكر «شفيق» أن كثيرا من الصحف رددت أن الشيخ على يوسف والشيخ الرافعى لا ينفذان قرار الحيلولة، وأن الشيخ على يتوجه فى ساعة متأخرة من الليل إلى منزل الرافعى ويخرج منه فى الصباح الباكر، وتؤخذ الملابس يوميا من منزل الرافعى، ويستحضر بدلها من منزل الشيخ على، وكتب وكيل السادات خطابا بهذا المعنى للرافعى، فاغتاظ وثار، وبلغ «صفية» ذلك فتأثرت وعولت على الخروج، فكتب الرافعى لقاضى مصر كتابا قال فيه: «همت السيدة صفية بالخروج من المنزل فدافعتها، ولكنها مصممة على الخروج، وبما أنه لا يمكننى إقامة الحيلولة، فأطلب من سماحة القاضى أخذها من منزلى».
مع هذه التطورات ترقب الجميع حكم المحكمة، ووفقا للدكتور سليمان صالح فى الجزء الأول من كتابه «الشيخ على يوسف وجريدة المؤيد» عن «سلسلة تاريخ المصريين، الهيئة المصرية العامة للكتاب»: «اعتكف الشيخ أحمد أبوخطوة خمسة عشر يوما فى مكان لا يعرفه أحد لتحضير الحكم، وفى خلال هذه الفترة بذلت الحكومة والخديو عباس جهودا جبارة للتأثير عليه، ليجىء حكمه لصالح على يوسف، ولكنه كان معتزا باستقلاله متمسكا برأيه إلى أقصى الحدود».
أصدر «أبوخطوة» حكمه بعدم صحة العقد والتفريق بين الزوجين، ويذكر «صالح» أن حيثيات الحكم قالت: «حرفة الصحافة التى نسبها على يوسف لنفسه قسمان، قسم يبحث فى فنون وعلوم مخصوصة كالمجلات، وهى صحافة جليلة، وهذا القسم لم يدعه المدعى «على يوسف» لنفسه، وقسم لا يختص بموضوع مخصوص وهى معدة لإرشاد الأمة فى أخلاقها ونظام عائلتها وهيئتها الاجتماعية وآدابها وسياسة مملكتها وهى صحافة جليلة، ولا يمكن القيام بها إلا بعد الحصول على كل معداتها من العلوم الاقتصادية وعلوم تهذيب الأخلاق وسياسة المنزل، ودراسة أخلاق الناس وعوائدهم، وسياسة الحكومات، ويلزم أن يكون القائم بها من أشد الناس محافظة على الكمالات والآداب حتى يمكنه أن ينفع بنصحه وإرشاده، وأن يرقى الأمة المنحطة، ويستمر فى ترقيتها إن لم تكن منحطة، وهذا لا يتأتى إلا إذا كان القائم بها من الطبقة الأولى ذكاء وعلما بالسياسة الداخلية والخارجية، ولا يمكن للمدعى عليه «على يوسف» أن يدعى لنفسه هذه الصحافة، لأن تقلبه فى المبادئ بغير سبب، وتعرضه للشخصيات فى ثوب المصالح العامة، وسكوته عن بعض ما يلزم الكلام فيه لأغراض من يهمه رضاه، فيكون المدعى عليه ليس مشتغلا بالصحافة قائما بها، وإنما هو مشتغل بشىء يشبهها، اشتغل بها لأغراضه، فليس لها ثوب الإرشاد والمصلحة العامة، وهذا اشتغال بأخس الحرف، فلا يكون محترفا بحرفة شريفة»، وامتدت الحيثيات إلى حالة على يوسف الاجتماعية، وقالت نصا: «إن فقره فى بدئه وإن زال عنه الآن باكتساب الغنى إلا أن عاره لا يزول عنه».
استأنف على يوسف وصفية الحكم، ويذكر «صالح» أن محكمة الاستئناف ترأسها جمال الدين أفندى قاضى القضاة، وأمامها قرأ محامى على يوسف قول أبوخطوة: «أن الثراء اللاحق لا يمحو عن صاحبه وصمة الفقر السابق»، ثم علق: «أين هى النصوص التى تقول إن الفقر السابق يبقى عارا على صاحبه مهما نال بعد ذلك من الغنى والمال والجاه؟ إن القائل بذلك يريد أن يسجل الانحطاط على الجنس البشرى كله، لأن الأصل فى الإنسان الفقر، والغنى طارئ عليه وأساس الغنى الجد والعمل».
أيدت محكمة الاستئناف الحكم الأول، فاضطر «على يوسف» إلى اللجوء للطريقة الودية، واسترضى الشيخ عبدالخالق السادات فوافق على عقد جديد للزواج، ويؤكد أحمد بهاء الدين فى كتابه «أيام لها تاريخ» أن هذه القضية أثرت بعمق فى الشيخ على يوسف، فدفعته إلى اعتزال الصحافة، وقبول منصب شيخ السجادة الوفائية، ليثبت للجميع أنه ند للشيخ السادات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة