يعتبر كثير من المؤرخين الحملة الفرنسية بداية مهمة لفكرة القومية المصرية في العصر الحديث، فهي الخطر الذي أحس به المصريون، وتوحدوا ضده، مع إحساسهم بأن المعول الأصلي عليهم، وأنهم لا يجوز أن ينتظروا من يدافع عنهم، خاصة مع اقتناعهم بأن المماليك لا يدافعون إلا عن مصالحهم الضيقة، وهو الأمر الذي أتاح الفرصة كذلك لظهور الزعامات الشعبية المصرية في ذلك الوقت بوصفها عاملا مؤثرا في تاريخ هذا الوطن.
وربما تقتصر معرفة كثير من أبناء الأجيال الحالية على الحملة الفرنسية في مجموعة من الوقائع الأكثر تأثيرا في التاريخ الرسمي، مثل ثورات القاهرة الأولى والثانية، ومعركة أبي قير البحرية، ومعركة إمبابة، وفشل حملة نابليون على عكا، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن هذه الحملة قد لاقت مقاومة شعبية تمثلت في ما يزيد عن أربعين معركة، قاتل فيها المصريون في قراهم، وبلا تسليح يذكر، فرق الجيش الفرنسي في عموم مصر من الإسكندرية إلى الوجه البحري والوجه القبلي، مقاومة يبدو لنا الآن أنها بداية حقيقية لتكوين هوية مصرية تعي قيمة هذا الوطن وقيمة الدفاع عن وعن وجوده، ذلك الذي لن يقوم به إلا المصريون بأنفسهم.
في محاولته للسيطرة على الوجه البحري عين نابليون الجنرال زايونشك قومندانا للمنوفية والجنرال فوجيير للغربية، وأمر أن يجردوا الأهالي من السلاح ويصادروا خيولهم ويعتقلوا أعيانهم رهائن، وأن القرى التي ترفض ذلك يتم إعدام خمسة من أهلها.
وفي مساء الخامس من أغسطس 1798 سار فوجيير من القاهرة إلى منوف في طريقه إلى الغربية، فاصطدم بقريتي تتا وغمرين من أعمال منوف، فقد ثار أهالي القريتين، وحملوا السلاح رفضا لدخول الفرنسيين، وأغلقوا أبواب القريتين في وجه الجنود، وعبثا حاول فوجيير دخولهما، فطلب المدد من زايونشك الذي كان مرابطا في منوف.
يصف كابتن فيروس – أحد قواد الكتيبة الفرنسية – ما حدث بقوله: "جاءنا المدد وتعاونت الكتيبتان على مهاجمة قرية غمرين فأخذناها عنوة بعد قتال طويل، وقتلنا عددا من الأهالي من أربعمائة إلى خمسمائة، بينهم عدد من النساء كن يهاجمن جنودنا بكل بسالة وإقدام".
تبدو هذه الواقعة ذات دلالات كبرى في تاريخ الوطن، على الرغم من أنها واحدة من معارك كثيرة غير أنها تشير إلى بسالة المصريين وعدم تورع المحتل عن قتل ذلك العدد الكبير جدا في قرية صغيرة، غير أن الدلالة الأكثر أهمية تبدو في إشارة كابتن فيروس إلى مشاركة المرأة المصرية في الدفاع عن بلدها، مشاركة تلقائية فطرية، والأكثر من ذلك إشارته إلى بسالتها وإقدامها في الدفاع مما اضطره إلى قتل النساء اللاتي تحولن إلى جنود دون توجيه أو تدريب مسبق.
للمرأة المصرية شق في بناء الوطن، وهي المعول عليها في الدفاع عن هويته الأصيلة، لكن ذكرى تتا وغمرين التي مرت هذا الأسبوع تثير ذلك التساؤل المكرر حول إمكانية أن تكون مثل هذه الأحداث جزءا من التكوين الثقافي لأبنائنا، يعرفونه ويعيشونه ويعلمون أبطاله، غير أنه كذلك يمكن أن يكون منطلقا للاحتفاء بالمرأة المصرية، ليكون الخامس من أغسطس يوما للمرأة المصرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة