كانت قوات الاحتلال الفرنسى تلملم نفسها للجلاء عن مصر، بعد ثلاث سنوات من قدومها بقيادة نابليون بونابرت، وكان يوم 6 يوليو، مثل هذا اليوم، 1801 يشهد حدثين تتفق المصادر التاريخية التى تناولت أحداث الحملة الفرنسية فى روايتها عنهما، الأول عن جثمان الجنرال كليبر الذى قتله سليمان الحلبى، والثانى عن الجنرال مينو وزوجته «زبيدة» وولده منها «سليمان مراد».
جاءت الاستعدادات لرحيل القوات الفرنسية بعد المفاوضات بينها وبين الإنجليز والعثمانيين كحليفين، واستمرت المفاوضات أربعة أيام انتهت بتوقيع اتفاقية الجلاء فى 27 يونيو 1801، واللافت أن الاتفاقية تمت دون علم الجنرال منو قائد القوات الفرنسية، والذى غادر القاهرة إلى الإسكندرية قبل ذلك بأسابيع للانتقام من قواد جيشه الذين كان يضطغن عليه من عهد كليبر، وقاد مفاوضات الصلح الجنرال بليار قائد الجيش الفرنسى فى القاهرة، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من كتابه «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر».
يذكر الدكتور محمد فؤاد شكرى فى كتابه «الحملة الفرنسية وخروج الفرنسيين من مصر»، أنه ما إن تم التوقيع على شروط التسليم حتى بدأ الفرنسيون يأخذون أهبتهم لإخلاء القاهرة، فأطلقوا فى يوم 29 يونيو 1801 سراح المحبوسين بالقلعة من أسرى العثمانية، وأعطوا كل شخص مقطع قماش وخمسة عشر قرشا.
وعن جثمان كليبر المدفون بالقرب من قصر العينى، يذكر الجبرتى فى موسوعته «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»: «فى ليلة الاثنين 24 صفر 1216 «6 يوليو 1801» نودى فى الأسواق برمى مدافع فى صبحه وذلك لنقل رمة كليبر، فلا يرتاع الناس من ذلك، فلما كان فى صبيحة ذلك اليوم أطلقوا مدافع كثيرة ساعة نبش القبر بالقرب من قصر العينى، وأخرجوا الصندوق الرصاص الموضوع فيه رمته ليأخذوه معهم إلى بلادهم»، ويذكر فؤاد شكرى: «نقلوا الجثة إلى الجيزة، وشيعها الجند فى احتفال مهيب، وأطلق العثمانيون والإنجليز إلى جانب الفرنسيين مدافعهم احتراما لها، وأعدوا لنقلها فى النيل «جرما» مجللا بالسواد، ونقل الفرنسيون معهم «هيكل» سليمان الحلبى قاتل كليبر».
أما وصية مينو بزوجته وولده سليمان مراد، فكانت فى آخر اجتماع لأعضاء» الديوان» ويذكر الرافعى، أنه فى 6 يوليو 1801، اجتمع المشايخ والتجار وبعض الوجاقلية والمسيو استيف مدير الشؤون المالية ويسميه الجبرتى استيف الخازندار، والمسيو جيرار والترجمان روفائيل، وكانت هذه جلسة الوداع، فأظهر فيها الفرنسيون تلطفا كبيرا مع الأعضاء، وجاملهم الأعضاء كذلك فى جوابهم».
يذكر الجبرتى أنه لما استقر أعضاء الديوان بالجلوس أخرج الوكيل كتابا مختوما وأخبر أن ذلك الكتاب من سارى عسكر مينو بعث به إلى مشايخ الديوان، ثم ناوله لرئيس الديوان ففضه وناوله للترجمان، فقرأه والحاضرون يسمعون، وينوه الجبرتى إلى أن مينو كتب هذا الخطاب قبل وصول خبر الصلح إلى الإسكندرية الموجود فيها، ويذكر الرافعى، أن مينو قال فى كتابه إن بونابرت سوف يبعث إلى المشايخ جوابا، ووعد بزيارة القاهرة قريبا، ثم أوصى أهل الديوان خيرا بزوجته الكريمة السيدة زبيدة وولده العزيز سليمان مراد، وأبدى أسفه لوفاة «مراد بك»، وأطرى فضائله وعزى الست «نفيسة خاتون» زوجته، وقال إن جيوش الجمهورية الفرنسية انتصرت فى أوروبا، وعما قريب ستنتصر فى مصر، وختم رسالته بدعوته إلى الله تعالى «أن ينعم عليكم وعلى عيالكم فى الأيام بالبشرى والإقبال».
يضيف «الرافعى» أن المسيو جيرار تكلم بعد تلاوة رسالة «مينو» وأعرب عن تمنياته للبلد، ثم أعقبه المسيو استيف مدير الشؤون المالية، فتلا خطبة طويلة بالفرنسية وتلا الترجمان روفائيل عربيتها، وهذه الرسالة هى آخر وثيقة رسمية تليت فى الديوان دفاعا عن الحكم الفرنسى فى مصر، أعرب فيها «استيف» عن نيات نابليون الحسنة نحو البلد وأهلها، وأن الفرنسيين يريدون الخير لمصر، وأعرب عن أمله فى أن يذكر المصريون مدة حكمهم بالخير وأن يكون هذا الفراق إلى حين، وأن فرنسا لم تقصد من مجيئها إلى الديار المصرية إلا حب الخير لأهلها، وأعرب عن أمله فى أن تدرك الدولة العثمانية التى استرسلت فى مخالفتها لإنجلترا أن فرنسا لم تكن تقصد من الحملة الفرنسية إلا محاربة الإنجليز وإحباط مساعيهم فى السيطرة على البحار واحتكار متاجر العالم».
يذكر الرافعى، أنه لما انتهى «استيف» من تلاوة الرسالة قال الأعضاء: «إن الأمر لله، والملك له، وهو الذى يمكن منه من شاء» وكان ذلك ختام آخر جلسات الديوان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة