حازم حسين

عنف الإخوان منذ الثلاثينيات حتى 30 يونيو.. عندما قال المرشد: نعم نحن إرهابيون

الأحد، 02 يوليو 2023 01:22 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
٫لم يكن العنف طارئًا فى فكر الإخوان وممارساتهم؛ حقائق الواقع وثوابت التاريخ تؤكد جميعًا أنه كان - ولا يزال - عقيدةً تنظيمية ومسلكًا حركيًّا مُتعمدًا ومقصودًا، مرضى الإنكار منهم ينفونه بالكُليّة، والأقل تلبُّسًا بالغباء الإخوانى المعتاد يدّعون أنه كان حجرًا عارضًا على الطريق؛ ربما حتى يتيسّر لاحقًا تعليق جريرته فى رقاب مرتكبيه وحدهم، والمناورة لإخراج التنظيم من التهمة كما تخرج «الشعرة من العجين»؛ إلا أن عجينهم مخلوط بالدم إلى حدِّ أنه لا يُمكن أن يستعيد لونه الطبيعى، أو يكون خبزًا صالحًا. 
 
ما كشفته «30 يونيو» أن الإرهاب مُتأصِّل فى بنية الجماعة حتى يكاد يكون عضوًا مُؤسِّسًا مع حسن البنا ورفاقه من الهمج الأوائل، وما تُفصح عنه خزائن الذاكرة الوطنية أنه مُورس بمنهجيّةٍ راسخة، ولم يكن عفويًّا أو بفعل استجابة مُراهقة للظروف والتحديات، بين مشهد الثورة قبل 10 سنوات، وشريط طويل من الصور والحكايات منذ 1928، نقف اليوم على تلٍّ ضخم من الوقائع والمُدوّنات والجرائم، تقطع كلها بأن «الإخوان» كانت حركة عنف أوّلاً، ثم يأتى أى وصف آخر.
 
يدور فكر الجماعة على التدرُّج من الكمون إلى التمكين، أو كما صنّفه المُؤسِّس فى 3 حلقات: التعريف، فالتكوين، والتنفيذ، استهلكت فى الأول عدّة سنوات، ثم أسّست لحركيّتها العنيفة منذ الثلاثينيات، بإعداد عناصرها بدنيًّا وعسكريًّا تحت لافتة قسم الكشافة، تلا ذلك بناء النظام الخاص / الجناح المُسلَّح، على صيغة ميليشياتية شبه عسكرية تنتظم فى كتائب وفصائل، وبعدها كانت الحلقة الثالثة فى حياة المُرشد الأوّل وتحت إشرافه، شهدت تلك المرحلة عشرات العمليات بين قتل وتفجير وإحراق، ليست عناوين سينما مترو وحارة اليهود والخازندار والنقراشى إلا أمثلة قليلة منها، وطال استعراض القوّة بعض المُنخرطين فى التنظيم، إن بالاعتداء على أعضاء أثاروا فضيحة عبدالحكيم عابدين وزيارته لمنازلهم فى غيابهم، أو بتهديد وكيل الجماعة أحمد السكرى بعدما تشدَّد فى القضية نفسها، هكذا لم يكن الإرهاب انفلاتًا عشوائيًّا تحت الضغط، أو جموحًا من عناصر عجزوا عن إدارة صراعاتهم سياسيًّا، إنما بدا ذراعًا تنظيمية غليظة، هدفها تعضيد أفكار الجماعة، وإنفاذ إرادتها، وردع خصومها، وهى لا تتورّع عن البطش بالجميع؛ حتى القريبين منها، طالما عارضوا مصالح الإخوان أو هدَّدوا خطط التمدُّد والاستحواذ.
 
أفضت الجولة الأولى إلى صدام عنيف مع الدولة، دفع المرشد الثانى حسن الهضيبى إلى العمل على تفكيك التنظيم السرى؛ لكنها كانت مناورة جديدة، من زاوية السرية كان صعبًا الجزم بجدّية الخطوة أو التحقُّق من إنجازها، وعمليًّا فقد عادت الجماعة سيرتها الأولى مع أول شقاق، فكما حاولت سابقًا اغتيال «النحاس» مُخاصمةً للوفد أو خدمةً للقصر، خطَّطت لاغتيال «عبدالناصر» عدّة مرات أشهرها فى حادثة المنشية، ثم تنظيم 1965 وبرنامجه الضخم لإرباك الدولة ومُؤسَّساتها، بدا أن المُرشد الثانى يُمارس ألاعيب الحواة، فيُخفى الأرنب فى جيب ثمّ يُخرجه خلسةً من مكان آخر، لهذا لم يكن غريبًا أن تتفجّر قضية «تنظيم الفنية العسكرية» ومحاولة الانقلاب على السادات بعد محالفته، بل تمادوا إلى قتله لاحقًا فى ذكرى انتصاره، وهو مشهد لا ينفصل عن الاحتفال مع قتلته بعدها بإحدى وثلاثين سنة، امتدادًا لفلسفة العنف التى تضع «الشطب والإلغاء» غايةً نهائية فى مواجهة الخصوم، إن تيسّرت بالمكر والخديعة أهلاً بها، وإلا فالإرهاب بديلٌ حاضر دائمًا.
 
بالتوازى مع ترسيخ فقه الدم فى البيئة الأولى، كانت أجنحة الخارج تستكمل ثلاثية المُؤسِّس: قوة العقيدة، ثم الوحدة، ثم قوّة السلاح. اغتال إخوان ليبيا إبراهيم الشلحى المقرّب من العائلة المالكة فى 1954، وأسَّس نُظراؤهم السوريّون «الطليعة المقاتلة» فى حماة 1964، التى تمدّد نشاطها وصولاً لاختراق وحدات الكوماندوز ثم قتل عشرات الضباط العلويِّين، ما تسبّب فى صدام عنيف مع نظام حافظ الأسد. على مثال القلب فى القاهرة سارت الأطراف، بين مدٍّ وجزر، وخفوتٍ ثم بروز؛ لتأتى إطلالتهم الأكثر ثِقَلاً بعد موجة الربيع العربى 2011، إذ كانوا فى طليعة العمل المُسلّح وأنشطة القتل والترويع، وفتحوا مسارات لتمرير المُقاتلين والأسلحة، ونفّذوا عمليات دموية بحقِّ خصومهم: الشيعة فى سوريا، أو أهالى بنغازى السُنّة كما فى «مجزرة السبت الأسود» التى راح ضحيتها 40 قتيلاً برصاص فى الرأس والقلب، ختم «مرسى» على هذا المنهج منتصف يونيو 2013 بمؤتمر نُصرة سوريا، مُتيحًا منصّة لبعض شيوخ السلفية المُتطرّفين للهجوم على الشيعة وحشد الشباب للالتحاق بالميليشيات، وبعد أقل من أسبوعين قُتل رجل الدين الشيعى حسن شحاتة، فى إحدى قرى الجيزة، وتستّروا على المُحرّضين من التنظيم وأصدقائه. ما يمنع الإخوان عن العنف والقتل أن تُواتيهم الفرصة فقط، فى عُمق رؤوسهم يُؤمنون بحقّهم المطلق فى جزّ الرقاب، وبانتهازيتهم الأصيلة قد يُبطنون ذلك، لكن إلى حين.
 
فرضت مقتضيات المراوغة على الجماعة أن تخفى أرنبها فى بعض المراحل، وقتها لعبت دورًا فى تأسيس الجماعة الإسلامية، وفرّخت تنظيمات معاونة، مثل: الجهاد، ومجموعة شكرى مصطفى «التكفير والهجرة»، وتنظيم الشوقيّين، استمرّت الآلية معهم وتعهّدها التنظيم الدولى من خلال «لجنة الجهاد» التى دعمت أغلب حركات الإرهاب ونسّقت معها، وجمعتها روابط عميقة بـ«القاعدة وداعش» وغيرهما، وسبق أن اعترف القرضاوى وآخرون بخروج كوادر تلك التنظيمات من عباءة الإخوان، إحدى وثائقهم السرّية المسرّبة فى 1982 تتحدّث عمّا أسمته «حماية الدعوة بالقوة»، وفى سبيل ذلك تُوجّه بالاتصال بأية «حركة مُسلّحة» فى أى مكان، والتقرّب للأقلّيات الإسلامية حول العالم وإحياء «فريضة الجهاد»، وثيقة التمكين التى حُوكم عنها خيرت الشاطر ضمن أوراق قضية سلسبيل خلال التسعينيات، كانت تتحدّث عن تدرُّج «البنا» وتُشير تصريحًا وتلميحًا إلى اختراق المجال العام بنعومةٍ أو بخشونة، ثم كان استعراض «ميليشيات الأزهر» فى 2007 تلويحًا علنيًّا بخيار العنف، ما لبث أن تحقَّق بعد 2011 بضرب المُتظاهرين فى الشوارع، والاستناد إلى فروع أعنف مثل حازم صلاح أبوإسماعيل ومجموعة «حازمون»، كما فى حصار مدينة الإنتاج الإعلامى ومحكمة مدينة نصر، وصولاً إلى المُجاهرة الكاملة بالإرهاب خيارًا وحيدًا بعد 30 يونيو.
 
هدّد قادة الإخوان ومعهم مُجرمو الجماعات الحليفة على منصَّات رابعة: تحدّث صفوت حجازى عن رشّ المتظاهرين بالدم، وتوعّد طارق الزمر بسحقهم، وصرّح آخرون بعناوين القتل والتفجير والسيارات المُفخّخة، وكان «البلتاجى» أكثر صراحة بتأكيد مسؤوليتهم عن إرهاب سيناء، وأنه سيتوقَّف فى اللحظة التى يعود فيها «مرسى» للسلطة. لم تنقطع الاعتداءات العنيفة طوال سنة حُكم الجماعة، فضربوا خصومهم فى كل المحافظات تقريبًا، وأفضت بعض الوقائع إلى قتلى كما فى حالة الصحفى الشهيد الحسينى أبوضيف، لكنهم بعد إطاحة الثورة بهم أعلنوا حربًا صريحة على البلد بكامله: قتلوا وروّعوا وأحرقوا مئات المنشآت والكنائس وأقسام الشرطة، ثم أسَّسوا مجموعات إرهابية تحت إشراف مكتب الإرشاد، من خلال عضوه ومسؤول اللجان النوعية محمد كمال، كانت البداية مع حركة حسم، ثم تتابعت أجنحة الدم فوصلت 14 فصيلاً، منها: أجناد مصر، ولواء الثورة، والعقاب الثورى، وأنصار الشريعة، وكتائب حلوان. سقط فى الموجة مئات الشهداء من ضباط وقُضاة ومواطنين، وطالت مرافق وخدمات وأحياء سكنية، ولم تتراجع إلا بعد نضال مُضنٍ من الأمن، بينما لم تُعلن الجماعة خطأها أو توبتها؛ لا لشىءٍ إلا أن العنف من ركائزهم التى لا يتخلّون عنها، ولا يكتمل بناؤهم التنظيمى من دونها، وهو من تلك الزاوية أداةٌ حركيّة مُعتبرة لديهم، فلا يعدّونه جريمة ولا يُدينون مُمارسيه.
 
كان صادمًا للبعض أن يروا باسم عودة وأسامة ياسين يضربان أفرادًا فى شركة سياحة بميدان التحرير، أو يقودان مسيرة تُرفع فيها البنادق الآلية؛ لكن الإخوان يعتبرون ذلك أمرًا عاديًّا وحقًّا مُكتسبًا بقوة الأمر الواقع، كانت لديهم مجموعات عُنف فى جامع عمر مكرم وممرّ مسجد عباد الرحمن، وفوق العمارات وداخل بعض الشقق المُطلّة على الميدان، كما كانوا يخطفون المُتظاهرين ويستجوبونهم ويعتدون عليهم فى مقرّاتهم، وهذا السلوك كان مُرشّحًا لاتخاذ أبعاد أخرى مع استكمال بنيتهم الذاتية للقمع، والوصول إلى صيغة «الحرس الثورى» التى كانوا يحلمون بها، ويعملون عليها بمعاونة أطرافٍ إقليمية، كل الخطر الذى عاشته مصر معهم أقلّ ممّا كان ينتظرها، حال نجاحهم فى تقنين ومأسسة الإرهاب ضمن هياكل حركية وتنفيذية تديرها الجماعة، وتُسبغ الرئاسة الإخوانية عليها ما تحتاجه من سترٍ وحماية.
 
فى التسلسل التاريخى، أصبح يقينًا أن العنف منهج إخوانى أصيل. أما فى تأصيله فالشواهد عديدة؛ يقول البنّا فى رسالة الجهاد: «الأمة التى تُحسن صناعة الموت (...) يهب لها الله الحياة»، وفى المؤتمر السادس: «ودماء تسيل من شباب طاهر (...) ورغبة صادقة فى الشهادة»، خالصًا إلى قانونه الحاكم: «الإخوان سيستخدمون القوة العملية حيث لا يُجدى غيرها»، ويقول فى أول أعداد مجلة النذير: «نحن حرب على كل زعيم أو رئيس أو حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام، سنُعلنها خصومةً لا سِلم فيها ولا هوادة»، وحتى يُمرّر المُرشد الخامس مصطفى مشهور انحراف الجماعة يتّهم الإسلام بأنه يعتمد الإرهاب عقيدةً خالصة، ثم يقول: «نحن لا ننتصر إلا بالإرهاب والرعب، ويجب ألّا ننهزم نفسيًّا من اتهامنا بالإرهاب، نعم نحن إرهابيون»، وعلى دربه قال خليفته مأمون الهضيبى بعد عقود من الإنكار: «نحن نتعبَّد الله بأعمال النظام الخاص»، والتأصيل نفسه فى تنظير سيد قطب: «كل أرض تُحارب المسلم فى عقيدته، وتصدّه عن دينه، وتُعطّل عمل شريعته، هى دار حربٍ، ولو كان فيها أهله وعشيرته وماله وتجارته»، لينطلق من عنوان «تكفير الحاكم وجاهلية المجتمع» إلى وجوب قتال الجميع؛ باعتبار الإخوان الفئة المُؤمنة وسط محيطٍ كافر.
 
عندما رفض «البنّا» أن يكون الإخوان حزبًا، وقال فى الوقت نفسه إن «الحكومة من أركان الإسلام»؛ كان فى واقع الأمر يُؤسِّس لانتزاع السلطة بالقوة أو الحيلة، بعدما استبعد أدوات المُمارسة السياسية. وشعار الجماعة نفسه يُبرهن على ذلك برسم سيفين يحتضنان مُصحفًا وبينهما كلمة «وأعدوا» فى إشارة للآية 60 من سورة الأنفال، إن كان الإخوان فصيلاً دعويًّا فى بيئة مُسلمة فلماذا يرفع السيف؟ ومَن أعداء الله الذين سيُرهبهم بالقوّة ورباط الخيل؟ الإجابة فى تعاملهم كما لو كانوا يحتكرون المصحف، وكل من لا يبصم على فهمهم يُصبح عدوًّا يحقّ ترويعه ويحلّ دمه، ويُحتج عليه بسورةٍ تُمثّل مرحلة تمكين دولة الرسول فى شِقّها المدنى بعد الهجرة. اعتبر «البنّا» جماعته مُعادلاً للدعوة النبوية، وألمح لهذا بالحديث عن تدرُّجه التطبيقى مقارنة بتدرُّج النبى فى الصعود والسيادة، هذا التصوُّر الاستعلائى لا يحتكر الدين فقط؛ إنما يُحوّل القتل عملاً مُقدّسًا، والقتلة صحابةً وتابعين للشيخ المأفون، الذى وضع نفسه فى مقام النبوّة.
 
مارست الجماعة الاغتيال أو رقصت له، كما مهّد مُرشدها السادس مع فرج فودة، ثم شهد شيخها الغزالى لصالح قتلته؛ وإلى ذلك فإنه فى النظرة العميقة لا ينحصر العنف فى الممارسة الدموية فقط؛ بل يمتد لشكل البناء التنظيمى وأنماط التربية، الصيغة المركزية الجامدة، والسمع والطاعة، وتأليه المرشد، لا تنفصل عن معنى الإلغاء الذى تُحقّقه المُمارسات الخشنة، وكذلك خطط تديين المجتمع وحملات الابتزاز تحت لافتات الحجاب والتفريط ونقص الإيمان، وشعاراتية «الإسلام هو الحل»، والفرز الطائفى ومحاولة تسييد قالب ثقافى واجتماعى وعقائدى، كلها تجلّيات ناعمة لحالة عنيفة، تنسجم مع تنظيم يستعير أدوات الآخرين ويُحاول توفيق المُتناقضات: تسلُّط الأحزاب الفاشية، وهيراركية الشيوعية، وتقيَّة الشيعة، وإغراء الحشّاشين، ورقّة المتصوفة ممزوجةً بدموية الخوارج، وغايات الجيوش مع وسائل العصابات، يبدأ العنف من قمع التابعين، ويمتد لمحاولة قمع المجتمع كاملاً، وفى هذا تتضافر آليات المُزايدة والمراوغة والتهديد مع الخشونة وإغلاظ القول وقوّة السلاح. من شِدّة فاعليّة المدرسة الإخوانية فى سحق قواعدها باتوا يُؤمنون بقداسة «البنّا»، وأنه رسم الطريق الأسلم نحو الفكرة الجامعة، ومن فداحة ما أحدثه التنظيم ووصل وأوصل المجتمع إليه، لم يعد محلّ شكٍّ أن مُؤسِّسه كان جهولاً مريضًا، مَدّ بصره أبعد ممّا تطول قدماه، فلا عرف ما يريد ولا أحسن السير إليه، إنما أسَّس قاعدةً لتشويه الدين والدنيا، فجعل الأول أداةً والأخيرة غاية، وقطع الطريق إلى الاثنين؛ بينما كان دينه ودنياه الحقيقيان، هو ومن تبعوه، العنف فى الخطاب والحركة، فى التأصيل والمُمارسة، فى الفقه والسياسة، فى المودّة والخصام؛ العنف فقط، ولا شىء غير العنف.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة