بيشوى رمزى

الناتو وعضوية السويد.. ومعضلة "الصراع المتعادل"

السبت، 01 يوليو 2023 12:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما لم يكن الموقف المشين الذي ارتكبه أحد المتطرفين في السويد، أكثر من امتداد لمواقف أخرى مشابهة، تهدف إلى استفزاز ملايين المسلمين حول العالم، ربما كان أخرها قبل شهور قليلة، وفى المدينة نفسها (ستوكهولم)، وهو ما يعكس قدرا كبيرا من التشابك والاشتباك في المفاهيم، بين حرية الرأي والتعبير، والتي انبرى للدفاع عن ساسة أوروبيين ودوليين، من جانب، والجريمة، على اعتبار أن الإساءة للمقدسات الدينية، لا يمكن أن يدخل في نطاق الحرية أو الديمقراطية، بل وربما يكون مدخلا لجرائم عنف أكبر، في ظل استغلال مثل هذه المواقف من قبل المتطرفين، من هنا او هناك لاستهداف الأخر المختلف عقائديا أو فكريا، والترويج إلى أفكار عدائية، ناهيك عما قد تؤدي إليه من انقسام مجتمعي، من جانب آخر.
 
ولكن بعيدا عما قد تؤول إليه مثل هذه الأحداث المتكررة في عواصم غربية مختلفة، يبدو تكرار الحالة المشينة في السويد تحديدا، محلا للتساؤل، في ظل التوقيت والأبعاد السياسية المترتبة عليها، في ظل حدوثها بمباركة السلطات الرسمية، خاصة وأنها تأتي في ضوء جدل متزايد حول انضمام الدولة الإسكندنافية إلى حلف الناتو، جراء التطورات المحيطة بها، منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، حيث تتفاقم مساحة الانقسام، حول مسألة قبول عضويتها، من عدمه، وهو الأمر الذي بدأت إرهاصاته منذ شهور عدة، عندما قبل التحالف انضمام فنلندا، بينما أرجأ البت في طلب السويد، جراء التحفظ من قبل تركيا والمجر، على انضمامها، على خلفية خلافات سياسية مع ستوكهولم.
 
الجدل حول انضمام السويد للناتو، سوف يتفاقم لا محالة، في ظل زيادة مساحة الانقسام، والذي بدا في تصريحات المسؤولين، سواء في التحالف، وعلى رأسهم أمينه العام ينس ستولتنبرج، والذي اعتبر أن العمل المسيء يقع في إطار "حرية التعبير"، بينما خرج مسؤولين أخرين من الدول الأعضاء لإدانة العمل المشين، وهو ما يعزز حالة الانقسام، والتي بدت في العديد من المواقف السابقة، سواء منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، أو قبل ذلك جراء الخلافات الأوروبية الأمريكية التي سادت المشهد الغربي، حول العديد من القضايا، في السنوات الماضية، وربما أبرزها الموقف من الناتو نفسه، وهو ما بدا في دعوة فرنسا إلى تشكيل جيش أوروبي موحد، ليكون بديلا للتحالف الغربي، وهو الدعوة التي أثارت امتعاض واشنطن، بينما لاقت جدلا أوروبيا في حينه.
 
ولعل الحديث عن انضمام السويد، سيتجاوز في جوهره مواقف الدول المتحفظة عليها أساسا من أعضاء الناتو، وخاصة تركيا، التي ربما يعزز المشهد الأخير موقفها الرافض، نحو مواقف الدول الأخرى، من خارج التحالف، والتي باتت تحمل تأثيرا كبيرا على قرارات الغرب، في ظل العديد من المعطيات، أبرزها حالة الاستقطاب الحاد، التي تشهدها العديد من مناطق العالم، وأبرزها المنطقة العربية والإسلامية، بين طرفي الصراع (روسيا والغرب)، للحصول على دعمها، في ظل المعركة الشرسة التي تخوضها، وبالتالي يبقى قبول ستوكهولم لعضوية الناتو، قبل قمة التحالف في يوليو الجاري، كما كان مقررا، سيثير مخاوف الغرب جراء احتمالات اتساع فجوة الخلاف مع الدول الإسلامية، وفي القلب منها الدول العربية، وهو ما يصب، ولو بشكل غير مباشر، في صالح الطرف الأخر من الصراع.
 
فلو نظرنا إلى المنطقة الإسلامية، والتي تهيمن المنطقة العربية بأسرها، وتحتل جزءً كبيرا من إفريقيا وآسيا، نجد أنها تبنت نهجا محايدا منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، بينما رهنت مواقفها في ضوء المواقف الدولية من قضاياها، في إطار ما يسمى بـ"الحياد الإيجابى"، وهو ما يعني أن خطوة القبول بالسويد، ستساهم، أو على الأقل سوف تقلل، مساحة التأييد للمعسكر الغربي، في ظل حالة من الغضب العارم، من قبل الشعوب العربية والإسلامية، ليس فقط تجاه السلوك العدواني الاستفزازي المشين، وإنما أيضا تجاه الحكومة التي باركت العمل بمنحها تصريح للاحتشاد رغم علمها بالجرم الذي سيقترفه منظمها، أمام أحد المساجد وصبيحة أول أيام عيد الأضحى.
 
وهنا يمكننا القول بأن الأمور تبدو أكثر تعقيدا داخل المعسكر الغربي، في اللحظة الراهنة، جراء حالة من الانقسام المركب، سواء فيما بين الدول الأعضاء، حول العديد من القضايا المثارة، والتي لا تقتصر بالطبع على مسألة انضمام السويد للناتو من عدمها، وإنما أيضا تمتد إلى قضايا أخرى، أبرزها جدوى العقوبات على روسيا، والقيادة الأمريكية للغرب، وغيرها من الأمور الخلافية التي سادت المشهد الغربي في السنوات الماضية، أو فيما يتعلق بمواقف الدول الأخرى حول التحالف، الذي يواجه، لأول مرة منذ عقود، تجربة "الصراع المتعادل"، في ظل نجاح قوى أخرى في استقطاب مناطق بعينها، وحشد العديد من الدول، إلى صفها، أو على الأقل الاحتفاظ بحيادها مرحليا، وعلى رأسها الصين وروسيا، واللتين حققتا اختراقات كبيرة فيما يتعلق بملء الفراغ الناجم عن التراجع الأمريكي الغربي في العديد من مناطق العالم، وأبرزها منطقة الشرق الأوسط.
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة