طرح اللواء محمد إبراهيم الدويرى، نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تساؤلاً، قال إنه يراه "مشروعاً طوال الوقت"، ومفاده كيف تفكر إسرائيل فى مستقبلها السياسى فى منطقة الشرق الأوسط وتحديداً بالنسبة للقضية الفلسطينية، مؤكداً أن "إسرائيل مازالت تتبنى– مخطئة -ما يمكن أن أسميه الأوهام الخمسة الكبرى باعتبارها أساس رؤيتها تجاه القضية الفلسطينية وتتمثل في أن احتلالها الأراضى الفلسطينية سوف يدوم إلى مالا نهاية، وأنها قادرة على مواصلة التحكم فى مصير ملايين الفلسطينيين فى الضفة الغربية والقدس وحتى فى قطاع غزة، وأن سياسة الاستيطان والتهويد وإسقاط أجندة السلام سوف تؤدى إلى الحيلولة دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة".
وأضاف الدويرى في مقال نشره اليوم بجريدة الأهرام تحت عنوان " إسرائيل والأوهام الخمسة الكبرى"، أن ثالث الأوهام يتمثل في أن الإجراءات المتكررة التى تقوم بها فى المسجد الأقصى والسماح للجماعات المتطرفة وللشخصيات الرسمية باقتحام ساحة المسجد بشكل دورى من أجل تثبيت مبدأ التقسيم الزمانى والمكانى يمكن أن تمر مرور الكرام ودون أن تواجه بردود فعل فلسطينية وعربية وإسلامية دفاعاً عن قدسية المسجد الأقصى، فيما يكمن الوهم الرابع في أن اندماج إسرائيل فى المنظومة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية فى المنطقة يعد أمراً حتمياً وسوف يتحقق دون حل القضية الفلسطينية.
وأشار الدويرى إلى أن الوهم الخامس الذى تتبناه إسرائيل، أن التطبيع مع الدول العربية يعُد العامل الرئيسى الذى سوف يمنح إسرائيل الأمن والاستقرار والتقدم الذى تنشده.
وأكد اللواء محمد إبراهيم الدويرى أنه "بالرغم من هذه الأوهام الإسرائيلية فإن حكومة «نيتانياهو» مطالبة فى المقابل أن تفكر ولو قليلاً فى المحددات الرئيسية وهى، أن الدولة الفلسطينية المستقلة سوف تقام فى النهاية مهما أثيرت العقبات أمامها، ولن تنجح إسرائيل فى مواصلة قهر الشعب الفلسطينى والاستمرار فى تحدى العالم إلى ما لا نهاية مهما أوتيت من قوة، وأن قدسية المسجد الأقصى سوف تكون سيفاً مسلطاً على رقاب كل من يحاول المساس به وبما يمثله من قيمة دينية للعالم الإسلامي، وأن الاندماج فى المنطقة بالصورة التى تأمل فيها إسرائيل لن يتحقق مطلقاً إلا بالحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية، وأن التطبيع العربى مهما توسع لن يمنح الشعب الإسرائيلى الأمن والاستقرار".
وأكمل الدويرى رؤيته بقوله: "السؤال الذى أوجهه إلى إسرائيل فى هذا المجال هو هل نجح هذا التطبيع فى أن يحول دون إطلاق الصواريخ عليها من قطاع غزة أومن جنوب لبنان أو يمنع عمليات الدهس والطعن التى تتم فى القدس وتل أبيب"، مشيرا إلى أن "رؤية إسرائيل لكيفية حل القضية الفلسطينية ارتباطاً بالأوهام الخمسة الكبرى التى تؤمن بها سوف تظل رؤية منقوصة ومصيرها الفشل، ولن تساعدها على أن تحيا فى أمن واستقرار بالرغم من التقدم العسكرى والتكنولوجى الذى تتميز به، حيث إن هذا التقدم لن يكون كافياً بمفرده أن يمنح المواطن الإسرائيلى الأمن والأمان".
وأضاف نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية في مقاله: "لاشك فى أن التطورات التى شهدتها الساحتان الإسرائيلية والفلسطينية مؤخراً والعمليات التى تعرضت لها إسرائيل انطلاقاً من نحو خمس جبهات فى وقت واحد، يعد ظاهرة كاشفة تؤكد أن استمرار السياسات الإسرائيلية الراهنة تجاه القضية الفلسطينية لن تؤدى إلا إلى مزيد من العنف، وزيادة كل موبقات التطرف والعنصرية والكراهية التى تبثها الإجراءات الإسرائيلية والتى سيتم توريثها للأجيال القادمة، وارتباطاً بهذه العمليات الأخيرة لابد لى أن أؤكد إدانتى الكاملة كل عمليات قتل المواطنين الأبرياء سواء كانت فى فلسطين أو إسرائيل أو أى مكان فى العالم، إلا أنه من الضرورى لكل من يهمه الأمر داخل إسرائيل أن يحاول التفكير فى أسباب هذه العمليات ولماذا تتزايد وكيف يمكن وضع حد لها، وفى رأيى أن الإجراءات الأمنية مهما تكن طبيعتها فإنها لن تؤدى بمفردها إلى وقف نزيف الدماء، ومن ثم لابد من البحث عن بدائل أخرى وأعنى بها الحلول السياسية التى يمكن أن تكون حلولاً فعالة ودائمة . ومن الواضح أن الحكومة الإسرائيلية الحالية مازالت غير عابئة بأى حلول سياسية للقضية الفلسطينية بل تقوم بتكثيف إجراءاتها فى الضفة الغربية والقدس من قتل واعتقال واقتحام وأصبحت أولويتها تتمثل فى كيفية تثبيت سيطرتها على السلطة لأطول فترة ممكنة مهما تكن الاعتراضات الداخلية ولنا فى تعامل نيتانياهو مع قضية الإصلاحات القضائية خير مثال على ذلك".
وقال اللواء محمد إبراهيم إن كل المعطيات تشير إلى أن حكومة نتانياهو لن تتجه طواعية إلى تغيير سياساتها الحالية تجاه القضية الفلسطينية، بل على العكس فإنها تحشد كل قواها بزعامة بن غفير وسموتريش فى اتجاه دعم سياسات الاستيطان وتأصيل العنف تجاه الفلسطينيين وهو ما سوف يؤدى بدوره إلى ردود فعل فلسطينية فى المقابل دفاعاً عن أراضيهم، وقد اتخذ نيتانياهو خلال الفترة الأخيرة مجموعة من القرارات أهمها استدعاء الاحتياط خاصة من القوات الجوية وهو ما ينبئ بأنه قد يسعى إلى مزيد من التصعيد خلال المرحلة القادمة سواء تجاه الأراضى الفلسطينية أو خارجها، وقد يكون من بينها عمليات قصف مكثف لمواقع محددة أو عمليات اغتيال الأمر الذى سوف يكون له تداعيات سلبية على الاستقرار فى المنطقة كلها فى حالة حدوثه، وسوف يظل السؤال الأهم المطروح دوماً كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة التى تتزايد تعقيداتها، وفى رأيى أنه رغم كل العقبات الراهنة فإن المخرج الوحيد يظل هو الحل السياسى الذى من المؤكد أنه أصبح صعباً ولكنه ليس مستحيلاً، بشرط البدء فى ترتيباته من الآن، ومازالت مصر هى الدولة المؤهلة لتحريك المسار السياسى المجمد منذ نحو عشر سنوات بالتنسيق مع الأردن والولايات المتحدة بهدف بدء عملية تفاوضية بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، ومن المهم للغاية أن تبدأ هذه المفاوضات من أجل بث الأمل للشعب الفلسطينى تجاه إقامة دولته المستقلة حيث إن عامل الوقت لم يعد فى مصلحة الجميع خاصة إسرائيل".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة