يبدو أن الحديث عن قوة العلاقة بين مصر والمملكة العربية السعودية أصبح بمثابة القضية التي لا تقبل مجالا للشك أو التأويل، في ظل العديد من الحقائق التي تدور في معظمها حول العديد من المواقف، التي تبادل فيها البلدين الدعم، من أجل تحقيق مصالحهما المشتركة، وكذلك لتحقيق أكبر قدر من الاستقرار الإقليمي، لتتحول العلاقة مع مرور السنوات إلى حالة أشبه بـ"التكامل" ذو الأبعاد المتنوعة، تتراوح بين التاريخ والجغرافيا، وما يتخللهما من عمق استراتيجي، يرتبط بالهوية الثقافية تارة، والدينية تارة أخرى، لتصبح علاقتهما "أبدية"، ترتبط ليس فقط بالإطار الدبلوماسي التقليدي، وإنما امتدت إلى الشعوب، التي تبدو متقاربة في العادات والتقاليد.
إلا ان قوة العلاقة بين البلدين، ربما لا يقتصر في تأثيره، على النطاق الثنائي، وإنما يمتد إلى أطر أخرى لا تقل أهمية، ربما أبرزها الإطار العربي، في ظل تأثيرهما الكبير، وقدرتهما الكبيرة على الحشد، وهو ما يساهم في تعزيز العمل العربي المشترك بصورة كبيرة، بينما يبقى ممتدا إلى النطاق الإقليمي الأوسع، في منطقة الشرق الأوسط، باعتبارهما أساسا للتوازن، في مواجهة محاولات الاستقطاب، وإثارة الفوضى من قبل القوى الأخرى، بينما يمتد تأثير حالة الارتباط بين البلدين إلى نطاق عالمي أوسع، مع بزوغ الأزمات الدولية الأخيرة، والتي تتسم بطبيعة استثنائية، ذات أبعاد زمنية وجغرافية غير محدودة النطاق، ربما تأكل الأخضر واليابس، حال فشل العالم في احتوائها.
فلو نظرنا إلى النطاق الإقليمي الضيق، ربما نجد أن المملكة العربية السعودية لعبت دورا رئيسيا في إنقاذ المنطقة من غياهب الفوضى إبان "الربيع العربي"، عندما راهنت على دعم إرادة ملايين المصريين في 30 يونيو، في مواجهة العالم، بل ودعم القاهرة لاستعادة مكانتها الإقليمية، ليعملا معا بعد ذلك من أجل تحقيق قدر من الاستقرار في المنطقة بأسرها، ومن ثم التحرك نحو استعادة الزخم للقضية الفلسطينية، وهو النهج الذي حقق نجاحا كبيرا منقطع النظير في السنوات الأخيرة، مع عودة الاهتمام الدولي الكبير بالقضية التي اتسمت بمركزيتها في الأجندة العربية منذ عقود طويلة من الزمن، وهو ما يبدو بوضوح في الاحتشاد الإقليمي والدولي الكبير في مؤتمر القدس، الذى عقد مؤخرا بالجامعة العربية، انتصارا للمسجد الأقصى والمدينة المقدسة.
بينما تحمل العلاقة القوية بين البلدين بعدا عالميا، في ظل المستجدات الأخيرة، وأبرزها حالة "الأزمة" الممتدة والمركبة، على غرار الوضع في أوكرانيا، ومالاته على العديد من دول العالم، في ظل التراجع الكبير في قضايا أمن الطاقة، وأمن الغذاء، والتي باتت تواجه تهديدات حقيقية، للشعوب، بينما تزداد الأوضاع الدولية سوءا مع تفاقم ظاهرة التغيرات المناخية، والتي تمثل صراعا من نوع جديد، يعكس حربا بين الإنسان والطبيعة، من أجل البقاء، بعد سنوات من السياسات التي تبنتها العديد من دول العالم وفي القلب منها القوى الكبرى، والتي اعتمدت نهجا يقوم على تجريف الطبيعة وإهمالها، طمعا في تحقيق أكبر قدر من التنمية الاقتصادية.
وهنا أصبح تصاعد الدور الدبلوماسي لكل منهما مدعوما من الآخر، ومكملا له في نفس الوقت، لمواجهة الأزمات الكبرى في العالم، وهو ما يبدو في المشاركة المصرية الفعالة في القمم الدولية التي استضافتها المملكة مؤخرا، سواء القمة العربية الصينية، أو قبلها القمة العربية الأمريكية، واللتين استهدفتا تعزيز العلاقة بين العرب والقوى الدولية المتنافسة، في ظل حالة من الاستقطاب الدولي على المنطقة، بينما دعمت المملكة استضافة مصر لقمة المناخ، والذي أطلق خلاله ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان النسخة الثانية من مبادرته "الشرق الأوسط الأخضر"، بالشراكة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما ساهم في زيادة الزخم على القمة العالمية، والتي تناقش أحد أخطر التحديات التي تواجه العالم في الآونة الأخيرة.
وهنا يمكننا القول أن العلاقة بين مصر والسعودية تمثل ليس مجرد حالة انسجام دبلوماسية، بين دولتين وإنما تعكس حالة من التكامل التام، ينطلق من الجغرافيا، في ظل تكامل التأثير بينهما على المستوى القاري بين آسيا وإفريقيا، وانطلاقا نحو الدور، في ظل سعيهما الدؤوب لتحقيق الاستقرار الدولي والإقليمي، ناهيك عن الاهتمام بالجانب التنموي، عبر تدشين المشروعات العملاقة، والعمل معا على تعميم تجربتهما في مناطقهما الجغرافية، وهو الأمر الذي من شأنه تعزيز حالة الاستقرار، خاصة في الدول التي تعاني جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وهو ما يصب في نهاية المطاف في صالح العالم في صورته الجمعية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة