أكرم القصاص

2023 عام من التحولات وانعكاسات الأزمات العالمية.. الطريق من عام التحديات إلى أحلام المستقبل

الأحد، 31 ديسمبر 2023 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
 
 
  • الحرب على غزة فرضت الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية وتحديات الأمن القومى.. و الحضور غير المسبوق أمام صناديق الانتخابات الرئاسية منح ثقة فى الدولة وشرعية لاستكمال ممرات التنمية

  • خطط تنمية سيناء من 2014 تكشف عن إدراك مبكر لأهمية التنمية والمجتمعات القادرة على التوسع.. أحلام العام الجديد.. وضبط الاقتصاد وتوسيع المجال السياسى والصناعة والزراعة والأسعار ومواجهة الاحتكارات ومضاعفة الرقابة وأدوات تنظيم اقتصاد السوق

 
جرت العادة أننا نجرى عملية جرد لعام مضى، ونضع توقعا لعام قادم، لكن عام 2023، الأحداث تتواصل مع دخول عام جديد، والمقدمات تقود لنتائج، ونحن هنا نتحدث عن 10 أعوام أو أكثر من التحديات المتواصلة التى نجحت مصر فى تخطيها، وأخرى ظهرت فى الأفق، فقد انتصرت مصر على الإرهاب والعشوائيات وفيروس سى، لكن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت تحديات من نوع جديد، وتهديدات لا تتوقف على مصر لكن على العالم كله، فقد كان فيروس كوفيد 19 الشهير بكورونا، تهديدا وجوديا للصحة، استلزم إجراءات احترازية ولقاحات وأدوية، ومستشفيات وطوارئ.
 
غيرت كورونا توقعات العالم حول المرض والصحة والاقتصاد وتركت تداعيات كبرى بجانب شلل فى سلاسل النقل وتأثيرات اقتصادية انعكست على دول العالم، بسبب سلاسل النقل وارتفاعات الأسعار، وتراجع الأسواق وتضخم، وما إن انتهى العالم من كورونا حتى اندلعت الحرب فى أوكرانيا والتى أطاحت بما تبقى من استقرار عالمى، وضاعفت من تأثيرات كورونا على الاقتصاد والمجتمعات. 
 
اشتعلت الحرب بين أوروبا والغرب من جهة وروسيا من جهة أخرى سياسة العقوبات والتراكمات وتوقف توريد القمح والحبوب بجانب تضاعف أسعاره بشكل جنونى، أثر على اقتصادات دول متعددة، وبدا أن عام 2023 لا يريد أن ينتهى قبل أن يخلف تحديا أكبر فى الحرب على غزة التى احتلت الربع الأخير من العام وفرضت الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية، بجانب تحديات الأمن القومى، التى وضعت مصر والرئيس عبدالفتاح السيسى، خطوطا حمراء ضد تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة، وخاضت الدولة المصرية بكل مؤسساتها صراعا متعددا لحماية الفلسطينيين من جهة، ووقف أى مخططات تهدد الأمن القومى من جهة أخرى، وخاضت معارك دبلوماسية وسياسية وأمنية للتعامل مع عدوان هو الأكبر على مدى عقود.  
 
أعادت أحداث غزة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وأعادت التأكيد على حجم وقدرة الدولة المصرية والتحديات التى واجهتها ولا تزال على مدى عشر سنوات وأكثر، وقد مثل العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى، تطورا نوعيا فى المنطقة بشكل جديد، وبالرغم من تكرار جولات الصراع على مدى السنوات العشر الماضية، فقد تجاوز العدوان الأخير الفعل الأساسى، إلى مخطط أوسع يرمى إلى خطوات أبعد تستهدف تهجير الفلسطينيين ونقل العبء إلى جهات وأطراف أخرى، وهو ما بدا تطورا استراتيجيا، واجه انتباها وإدراكا أعمق من قبل الدولة المصرية، الطرف الأكثر امتلاكا للمعرفة والتفاصيل بمعطيات قضية مزمنة تكاد تخرج عن السيطرة.
 
 وكانت الدولة المصرية هى الأكثر إدراكا لخطورة هذا الطرح، وتصدت له بحسم وخطوط حمراء واضحة، وأكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن مصر لن تسمح بتصفية القضية على حساب أطراف أخرى، وأنه «لا تهاون أو تفريط فى أمن مصر القومى تحت أى ظرف، وأن الشعب المصرى يجب أن يكون واعيا بتعقيدات الموقف ومدركا لحجم التهديد»، وأن التصعيد الحالى خطير، والسلام العادل والشامل، القائم على حل الدولتين، هو السبيل لتحقيق الأمن الحقيقى والمستدام للشعب الفلسطينى وللمنطقة.
 
خطوات القاهرة الحاسمة، وخطوطها الحمراء، وتحركاتها كشفت عن استراتيجية لوقف الصراع، وتعيد التأكيد على أن الدولة الفلسطينية مفتاح الحل، وهو ما تأكد فى كل لقاءات واتصالات تلقاها الرئيس، مع رؤساء وقادة الدول الكبرى، من قمة القاهرة للسلام أو القمة العربية الإسلامية فى الرياض، والتمسك بضرورة حصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة فى دولته المستقلة، ورفض سياسات العقاب الجماعى ودعوات تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى مصر أو الأردن، وانتهاء بمبادرات مصرية نجحت فى هدنة امتدت، ثم مبادرة أخرى بالاتصال مع كل الأطراف، فى سبيلها إلى التفاعل. 
 
رسائل مصر واضحة باعتبار أن القوات المسلحة المصرية قادرة على حماية تراب مصر، وأنها - بحكم التجارب والحروب - قوة رشيدة تحمى، ولا تعتدى أو تهدد، تضمن السلام وتسعى إليه من منطلق القوة، وأن هذه الحرب لا رابح فيها، وأن مصر لديها الاستعداد لتسخير كل إمكانياتها وقدراتها من أجل إنهاء هذه الأزمة.
 
مصر - دولة ومجتمعا - واجهت تحولات على مدار 13 عاما، وكان عام 2023 آخر عام فى ثلاثية صعبة بدأت بكورونا، ولم تنته بالحرب فى أوكرانيا، وأخيرا العدوان على غزة، بما يرتبه من تداعيات اقتصادية وإنسانية، حيث حرصت الدولة المصرية على فتح معبر رفح، والحرص على إدخال المساعدات الإنسانية، إلى غزة، ومواجهة حرب إبادة ومحاولة تهجير وضغط من كل جانب. 
 

سيناء التحدى الأكبر أمنيا وتنمويا

فى إبريل الماضى، أكملت سيناء العام الواحد والأربعين بعد استعادتها بالحرب والسلام، ظلت نحو 30 عاما خارج نطاق التنمية، مرتكزة على السياحة فقط فى بعض المناطق شمالا وجنوبا من دون مجتمعات قابلة للتوسع والتنمية، هذا الفراغ تحول أحيانا إلى بؤر لتجمع الإرهابيين والمجرمين، وبعد 30 يونيو تشكلت تحالفات الإرهاب، من أجهزة وتمويلات ودعم دعائى، وتصدى له أبطال القوات المسلحة والشرطة وأهالى سيناء، ببسالة، وهزموا الإرهاب، الذى لم يكن بعيدا عن مخططات أحبطتها مصر.
 
مشروعات-سيناء-(3)
 
الدولة أطلقت مخططات التنمية فى سيناء لتكون جزءا من حلم التنمية، وحماية الأمن القومى ومنذ عام 2014 تم البدء فى الخطة الوطنية لتنمية شبه جزيرة سيناء، التى تغير وجه الحياة بمشروعات كبيرة واستثمارات أكثر من 600 مليار جنيه خلال 9 سنوات، وإطلاق 8 مشروعات ومناطق صناعية على خريطة الاستثمار الصناعى، ونصيب كبير من المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تبلغ مساحتها الإجمالية 455 كم2، وتكلفة البنية التحتية والاستثمارات داخل المنطقة نحو 18 مليار دولار، توفر مشروعات المنطقة 100 ألف فرصة عمل مباشرة. 
 
ممرات التنمية والأنفاق فى سيناء ظلت حلما لكبار المفكرين والخبراء فى التخطيط والتنمية البشرية، وربما لا يعرف كثيرون أن ممرات التنمية وتعمير سيناء، تحقق حلم المفكر العظيم الراحل الدكتور جمال حمدان الذى اعتبر «سيناء هى مصر الصغرى»، وفى دراسته المهمة «سيناء فى الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا» دعا العلامة جمال حمدان منذ أكثر من أربعة عقود لربط سيناء بالوادى والدلتا، توصيل مياه النيل أسفل قناة السويس عبر صحارى خاصة من ترعة الإسماعيلية، وقد تحققت مؤخرا.. وطالب حمدان بأن تكون إعادة تعمير سيناء إحدى أولويات التخطيط القومى والإقليمى، الذى يضع التحدى الحضارى على مستوى التحدى العسكرى. 
 
مشروعات-سيناء-(1)
 
 
هذه المطالب ظلت معلقة، حتى تبناها الرئيس السيسى الفكرة وقرر تنفيذها، وعندما تحدث الرئيس عن الاتجاه لبناء الأنفاق والعبور لتنمية سيناء، من خلال الأنفاق ومحطات تحلية المياه، وسدود لتخزين مياه السيول، ومحطات لتنقية مياه الصرف لأغراض الزراعة والصناعة.
 

ممرات التنمية فى كل أنحاء الجمهورية

ومن تحدى سيناء إلى تحدى ممرات التنمية فى كل أنحاء الجمهورية، وكانت ملفات البنية الأساسية من طرق وطاقة هى الأساس الذى تبنى عليه الدولة خططها للتنمية، وعندما نتحدث عن ثلاث سنوات علينا النظر إلى هذه المرحلة، فى سياق السنوات الـ11 عاما، التى شهدت القضاء على  «فيروس سى» الذى ظل يلتهم أكباد المصريين، من خلال مبادرة الرئيس والتى نجحت بها مصر بشهادة منظمة الصحة العالمية مع مبادرات للكشف المبكر عن السرطان وإنهاء قوائم انتظار العمليات الخطرة و100 مليون صحة  وأيضا القضاء على العشوائيات التى كانت تُحزم العاصمة والمدن، وتم نقل سكان العشوائيات إلى الأسمرات 1و2، وفى الإسكندرية غيط العنب وبشاير الخير، وغيرها مئات الآلاف تم نقلهم إلى مجتمعات حضارية.
 
ومع مبادرات رئاسية كانت ممرات التنمية، والتى تعنى ببساطة إقامة شبكات طرق وقطارات وموانئ، وربط كل هذه الطرق بالمدن الجديدة. خطة ممرات التنمية، بدأت منذ قناة السويس الجديدة وإعادة تخطيط المنطقة الاقتصادية، ثم شبكة الطرق، والقطارات والمترو، وأنفاق قناة السويس التى تربط سيناء بالوادى والدلتا، ومبادرة «حياة كريمة»، واستصلاح 500 ألف فدان فى سيناء، وملايين أخرى فى الدلتا الجديدة وتوشكى، ومستقبل مصر، بما يضيف ربع المساحة المزروعة على مدى عصور، وإضافة مساحات إلى الجغرافيا فى بلد 95 % منها صحراء، ويزيد سكانها 25 مليونا خلال عقد واحد.
 
مشروعات-سيناء
 
ولم تكن العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة منفصلتين عن المدن الجديدة فى الدلتا والساحل، الشمالى والغربى، والصعيد، ضمن استراتيجية الدولة لبناء منظومة متكاملة لبناء 48 مدينة جديدة، وبجانب العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين، و30 مليون نسمة إجمالى عدد السكان المستهدف فى مدن الجيل الرابع، الفيوم الجديدة وبنى سويف الجديدة والمنيا الجديدة وأسيوط وسوهاج وأسوان والمنصورة الجديدة والإسكندرية الجديدة فى الوجه البحرى، ومدن سفنكس الجديدة والسويس الجديدة وطيبة الجديدة وغيرها، ولأول مرة ربط شرق النيل بغربه من خلال محاور وكبارى وأعمال هندسية.
 

توطين الصناعة

على مدى سنوات كانت فكرة توطين الصناعة مطلبا، وتوجها من الدولة، وخلال 10 سنوات تم إطلاق وبناء أكثر من منطقة صناعية مع إحياء الصناعات التى تمتلك فيها مصر ميزات تنافسية كالغزل والنسيج والجلود، ويمثل ملف الصناعة أولوية للدولة، وهدفا استراتيجيا يوفر قيما مضافة، وفرص عمل.
 
كان ملف الرمال السوداء من بين الصناعات التى تتوفر موادها الخام ولا تستغل، حتى تم افتتاح مصانع منتجات الرمال السوداء فى كفر الشيخ، واحد من مجموعة مصانع لاستخلاص المعادن والخامات الصناعية من الرمال السوداء، التى كان يتم تصديرها أو تهريبها بقروش قليلة، لتعود لنا فى شكل منتجات بملايين، وتم افتتاح المصنع، نفس الأمر مع المجمع الصناعى لإنتاج الكوارتز بالعين السخنة، فى مايو الماضى ترجمة لآراء ودراسات جدوى، وخبرات، ونموذج لتعاون واسع، وتنفيذ لاستراتيجية صناعية واقتصادية، تضاعف من القيمة المضافة، مع استغلال الثروات التعدينية المتاحة. 
 
تم الدفع نحو التركيز فى ملف الدواء، وتوطين صناعة الدواء لتحقيق الاكتفاء الذاتى من الدواء والسعى لنقل أحدث تكنولوجيا لتصنيع الدواء محليا. حيث يتم توفير أكثر من 93% من احتياجات السوق المحلى وهناك ما يقرب من 13 ألف صنف دوائى مسجل، ووصل حجم استثمارات القطاع الدوائى فى مصر إلى 110 مليارات جنيه، بجانب مدينة الدواء التى افتتحها الرئيس فى إبريل 2021 بهدف إنتاج الأدوية بشكل علمى وبجدارة، ومشروع تصنيع مشتقات البلازما، بتكنولوجيا متقدمة، وبعد ضغط فترة التنفيذ.
 
وإذا كانت الصناعة أحد أهم أسس الاقتصاد الحديث، فإن توطين الصناعة يتطلب توفر كوادر علمية وبحثية وفنية، وترتيبات تتعلق بمراقبة الجودة. وبالتالى فإن التوطين يعنى بجانب البنية الصناعية توفير العنصر البشرى، مع ربط التعليم العالى والفنى بسوق العمل، وبما أننا فى بداية عام جديد، يفترض أن تتوجه الجامعات إلى الدفع نحو توفير التخصصات المتعلقة بالصناعة وهو ملف متشابك فى باقى الملفات، لأنه يبدأ من دراسات الجدوى، إلى التنفيذ والبنى الأساسية للصناعة.
 

الانتخابات الرئاسية .. شرعية الحاضر والمستقبل

أما التحدى الأكبر فقد كان الانتخابات الرئاسية، وكان الحضور الكبير للتصويت فى الانتخابات الرئاسية يشكل قاعدة لرسم تصورات لشكل المستقبل القريب والمرحلة القادمة فى العمل العام عموما، والعمل السياسى والأهلى على وجه الخصوص، الشعب المصرى وجه رسائل مهمة بالحضور الكثيف، وغير المسبوق أمام صناديق الانتخابات الرئاسية، ثقة فى الدولة، وأملا فى المستقبل والقدرة على مواجهة التحديات بوحدة وتنوع.
 
لجان-الدقى-تصوير-حسن-طلال
 
وجاءت الانتخابات وسط أجواء إقليمية شديدة التعقيد، بسبب العدوان الإسرائيلى على غزة، والذى كشف عن حجم التحديات التى واجهتها الدولة طوال أكثر من عقد، ولهذا شهدت انتخابات الرئاسة، الحضور الكبير من كل فئات الشعب، وفوز الرئيس السيسى بهذه النسبة بأكثر من 89% من عدد الذين أدلوا بأصواتهم، والذين تجاوزوا 44 مليونا فإن هذه الأرقام تعبر عن ثقة وتمثل شرعية، ومسؤولية فى بناء مرحلة كبيرة من العمل السياسى.
 
وظهر فى الانتخابات حراك حزبى  يمثل قاعدة للعمل العام، سواء العمل السياسى فى الأحزاب، أو العمل الأهلى فى الجمعيات والمجتمع المدنى، الذى يفترض أن يمثل الجناح الآخر فى العمل العام، ومن الضرورى أن تكون هناك حياة سياسية تستقطب الشباب، وتنظم طاقاتهم.
 
الانتخابات، وضعت على عاتق الرئيس السيسى مسؤوليات كبيرة تتعلق بإدارة كل الملفات الخاصة بالدولة، سواء ما يتعلق بملفات الأمن القومى والسياسة الخارجية، أو الملفات المتعلقة بالداخل وما يخص الاقتصاد والإصلاح الاقتصادى والمالى بشكل يخفف من تأثيرات هذا الإصلاح على معيشة المواطن، ويقلل من تأثيراته على حياة الأغلبية من المواطنين، خاصة الملفات الداخلية فيما يتعلق بالاقتصاد والمجتمع والمجال السياسى، والسعى لأفضل طرق الإنفاق والتدبير، وخلق فرص عمل والتوسع فى الصناعة، والزراعة، بعد وضع بنية أساسية قوية وممرات تنمية يمكن أن تستقطب استثمارات وتضاعف من قدرة الاقتصاد على توليد القيمة، وطمأنة المجتمع تجاه المستقبل القريب فيما يتعلق بالأسعار وضبط السوق، ومواجهة الاحتكارات، ومضاعفة الرقابة وأدوات تنظيم اقتصاد السوق فيما يتعلق بتوازن السوق والأسعار، وتوسيع مشاركة القطاع الخاص فى الاقتصاد وجذب المزيد من الاستثمار.
 
p
p
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة