يسعى الأطراف المشاركون في الحروب، إلى تحقيق انتصارات عسكرية وسياسية، ويسيرون في سبيل تحقيق تلك الأهداف، غير عابئين بالخسائر الإنسانية، ولا شك أن الأطفال هم الخاسر الأول في الحروب والصراعات بكل مكان حول العالم، وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط التي تعيش على صفيح ساخن، وتعج بالصراعات والعنف وأخرها الحرب الغاشمة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي تستهدف بالأساس المدنيين.
وعلى الرغم من وجود عدة قوانين تحمى حقوق الأطفال، ووجود منظمات تركز بشكل أساسى على الدفاع عن حقوق الأطفال، وعلى رأسهم المنظمة الأممية يونسيف، إلا أن هذا لم يمنع قوات الاحتلال الاسرائيلى من ارتكاب جرائم بشعة بحق أطفال قطاع غزة.
ولسخرية القدر، يـأتى احتفال منظمة يونسيف، بيوم الطفل العالمى القادم، والذى يحتفل به العالم يوم 20 نوفمبر كل عام، وسط حالة من الفزع والرعب يعيشها أطفال فلسطين، ومجازر وفظائع ترتكب بحقهم، وهو ما جعل الأطفال رمز وأيقونة للقهر والظلم الذى يتعرضون له في الصراعات في المنطقة، فمنذ الطفل محمد الدرة، وحتى الطفلة شام، لم يتغير المشهد كثيرا في فلسطين، فيما تحول صورة الطفل الكردى إيلان، كصوت صارخ يشجب الأزمة الإنسانية التي يمر بها السوريين، وكذلك صورة الطفل الحلبى عمران، الذى فاجئ الكثيرين بصموده وصمته رغم ما عاناه من أهوال.
محمد الدرة "الأيقونة الأبدية للقضية الفلسطينية"
23 عاما مرت على استشهاد محمد الدرة، الطفل الذى فقد حياته وهو بين يدى والده، يوم 30 سبتمبر 2000، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهى الواقعة التي كانت تحت أنظار العالم، فكان محمد يختبئ في أحضان والده خوفًا من الرصاص، إلا أن حضن والده يبدو أنه لم يكن حصينًا للغاية، ولم يكن قادرًا بما فيه الكفاية على حمايته من وابل الرصاص الحى، والذى فقد حياته على إثره، على مرأى ومسمع من الجميع، وكانت صورته تحتل جميع شاشات التلفزيون حول العالم، وهو المشهد الذى تحول فيما بعد لأيقونة عن القضية الفلسطينية، فلا يمكن في مكان أن تذكر القضية الفلسطينية دون أن تتذكر ملامح محمد الدرة.
محمد الدرة
شام "إسرائيل تغتال براءة الأطفال"
كذلك احتلت الطفلة شام، قلوب الكثيرين، بعد أن انتشر فيديو لها، وهى تجلس في إحدى المستشفيات، بينما يقوم أحد الأطباء بمسح وجهها، من الدماء التي تسببت فيها غارة إسرائيلية، بينما تبدو ملامح الطفلة وكأنها في عالم آخر، لا تعى ما يدور حولها، حتى لم تقم بالصراخ أو البكاء، وظلت مستكينة بيدى الطبيب وكأنها دمية.
واشتعلت منصات التواصل بفيديو الطفلة الذى انتشر كالنار في الهشيم، وأبكت الكثيرين، ولم يسترح البعض إلا بعد أن اطمئنوا على سلامتها وتواجدها وسط عائلتها، إذ انتشرت شائعات عن ارتقاءها شهيدة صغيرة، إلى أن عاد ناشطو "فيسبوك" و"إكس"، لنفى الخبر، ونشروا صور لها برفقة شقيقها.
"شام" أصبحت أيقونة لأطفال غزة، وما يعانونه، حتى صغر سنها لم يكن شفيعا لها لدى قوات الاحتلال الغاشمة، التي قصفت المنازل فوق رؤؤس ساكنيها، وكدليل حى على الجرائم التي ترتكب في حق أطفال فلسطين.
الصغيرة شام
الطفلة شام
يوسف "شعره كيرلى وأبيضانى وحلو"
وأوقع يوسف الذى وصفته والدته بأنه "شعره كيرلى وأبيضانى وحلو وينه حبيبى" في خلال رحلة البحث عنه، قلوب المصريين، والعالم، بعد أن تم العثور عليه شهيدا، إذ قضى والده الطبيب الفلسطيني محمد حميد أبو موسى، حوالى 20 دقيقة بحثا عن ابنه، بين غرف الإنعاش والطوارئ لتنتهى رحلة البحث بنتيجة مؤلمة لوالدى الطفل وللجميع، إذ عثروا على يوسف "أبو شعر كيرلى" جثة هامدة.
المشهد القاسى أبكى القلوب قبل العيون، وأصبح يوسف ليس فقط "شعره كيرلى وأبيضانى وحلو"، لكن أيضا نموذجًا وأيقونة أخرى للقضية الفلسطينية، وحالة معبرة عن حال أطفال قطاع غزة، الذين أصبحوا الضحايا الأكثر تعرضًا للانتهاك وسط تعالى أصوات الرصاص والقنابل في غزة.
الطفل يوسف تحول لأيقونة
يوسف أبو شعر كيرلى
الطفلة سوار طوطح "صغيرة تمسك بيدها قطعة خبز ملطخة بالدماء"
ومن بين ويلات الحرب على غزة أيضًا، برزت لقطة لم تختلف في قسوتها عن سابقيها، حيث الصورة التي أدمت القلوب وجعلت الجميع يبكي ضحايا مستشفى المعمداني، وبينهم الطفلة الصغيرة المتمسكة بقطعة الخبز في يديها الملطخة بالدماء.وعلى ما يبدو أن قطعة الخبز الصغيرة هذه كانت طعامها الوحيد في هذه الليالي الدامية التي مرت على إخواننا الفلسطينين، وهى لقطة تحدث العالم عن خزي وعار سيلحق جيش الاحتلال الإسرائيلي حتى تقوم الساعة بينما هم يسفكون دماء الأطفال والأبرياء من المدنيين العزل.
الطفلة صاحبة الصورة الشهيرة هي "سوار طوطح"، التي تعرض منزلها في حي الزيتون بقطاع غزة، للقصف من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي، ونقلت على إثره لتلقى العلاج داخل مستشفى المعمداني، الذي تعرض للقصف أيضًا من قوات الكيان الصهيونى، ليجرى نقلها مرة أخرى إلى مستشفى الشفاء، وكان وجه الطفلة مغطى بالدماء وعلامات الحزن والصدمة تسيطر عليها.
الخبز في يد الطفلة
طفلة الخبز سوار طوطح
الطفل السورى إيلان "غرقت الإنسانية معه"
وبالعودة بالزمن قليلًا والانتقال لبقعة أخرى من الشرق الأوسط، عثر جنود على جسده الصغير السورى إيلان، غارقًا على رمال شاطئ بحر إيجة، بعد فشل محاولة عائلته الهرب من نيران الحرب الأهلية التي اندلعت في سوريا، حاصدة الأخضر واليابس في طريقها، وهى الصورة التي هزت ضمير العالم أجمع، وفتحت الباب أمام الحدث عن حق الطفولة أولًا، وسياسات اللجوء ثانيًا.
جسده الصغير الذى فارقته الحياة، والمشهد القاسي حيث إيلان ملقى على الشاطئ بعد أن قذفته الأمواج، كان صرخة لإيقاظ العالم النائم عما يعانيه أطفال سوريا من ويل الحروب والصراعات، وتحولت صورة الصغير صاحب الـ "تى شيرت" الأحمر، إلى أيقونة كما تحول لنصب تذكارى في عدد من الدول، كتذكرة موجعة لضمير العالم النائم.
الطفل السورى إيلان
الطفل إيلان
عمران الحلبى "طفولة بين أكوام الرماد"
"عمران" طفل، شأنه شأن الآلاف من الأطفال السوريين أيضًا، والذى كان ضحية الغارات الدامية المتواصلة على مختلف المدن السورية، ففى براءة تغلفها حالة من الحيرة والصدمة جلس الطفل عمران غير مدرك ما يحدث حوله، ونقلت الكاميرات التى أمامه صورته للعالم، فقد شاءت الأقدار أن يُبعث "عمران" حيًا مرة أخرى من تحت أنقاض قصف الطائرات.
صورة عمران التي كانت خير معبر عن حال أهالى حلب وأطفالها تحديدًا، انتشرت مثل النار في الهشيم، وكان الطفل الحلبى يجلس في سيارة إسعاف بعد إنقاذه، بينما الدماء والغبار يغطيان كل إنش من جسد الصغير، وهى الصورة التي أظهرت قبح العالم، وأن الإنسانية في سبات عميق.
الطفل السورى عمران
إتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل
كل هذه الجرائم ضد الإنسانية والطفولة، تعيدنا لنتذكر أنه في عام 1989، قطع زعماء العالم على أنفسهم التزاماً تاريخياً تجاه أطفال العالم، من خلال اعتمادهم اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل وجعلها جزئاً من الاتفاق الدولي، وتنص اتفاقية حقوق الطفل، والصادرة عن الأمم المتحدة، في مادتها الـ38.
نص المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل
1. تتعهد الدول الأطراف بأن تحترم قواعد القانون الإنساني الدولي المنطبقة عليها في المنازعات المسلحة وذات الصلة بالطفل وأن تضمن احترام هذه القواعد.
2. تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عمليا لكي تضمن ألا يشترك الأشخاص الذين لم يبلغ سنهم خمس عشرة سنة اشتراكا مباشرا في الحرب.
3. تمتنع الدول الأطراف عن تجنيد أي شخص لم تبلغ سنه خمس عشرة سنة في قواتها المسلحة. وعند التجنيد من بين الأشخاص الذين بلغت سنهم خمس عشرة سنة ولكنها لم تبلغ ثماني عشرة سنة، يجب على الدول الأطراف أن تسعي لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سنا.
4. تتخذ الدول الأطراف، وفقا لالتزاماتها بمقتضى القانون الإنساني الدولي بحماية السكان المدنيين في المنازعات المسلحة، وجميع التدابير الممكنة عمليا لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة