كثفت عدد من الدول الأجنبية والأوروبية تحديدا من اتصالاتها وزياراتها إلى العاصمة المصرية القاهرة، وذلك على مدار الأسبوعين الماضيين للتشاور حول تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة للاستماع إلى وجهة النظر المصرية في كيفية معالجة التصعيد العسكري في قطاع غزة.
تمثل مصر رقما صعبا وفاعلا في المنظومة الدولية من خلال تحالفاتها واتصالاتها مع الأطراف المؤثرة في قضايا الإقليم خاصة ملف القضية الفلسطينية الذي تتمتع مصر فيه بخبرات واسعة وديناميكية في التعامل، وزار القاهرة قادة وزعماء دول أبرزها رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، المستشار الألماني أولاف شولتس، رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
نبرة غربية مغايرة، ونواة تحرك عربي ـ أوروبي مشترك ليس فقط لخفض التصعيد في قطاع غزة، بل وإحياء مفاوضات السلام التي توارت أمام تعاقب حكومات اليمين المتطرف في تل أبيب.. هذا ما آل إليه المشهد خلال الأيام القليلة الماضية، والسبب: دبلوماسية مصرية واعية، ونوايا خالصة للإدارة المصرية لم تغب عن نظرها مصالح الشعب الفلسطيني والثوابت التاريخية لقضيته، وقبل ذلك كله.. لم تلتفت يوماً لمحاولات البعض الإتجار بالقضية.
الخطاب الغربي الذي بدأ يتخذ مساراً أكثر اتزانا كان واضحاً في المؤتمر الصحفي المشترك للرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث أكد الأخير وبعبارات واضحة إدانة فرنسا لاستهداف المدنيين وبشكل قاطع، وأعلن عن إرسال طائرتى مساعدات وسفينة لدعم مستشفيات غزة.
وخلال المؤتمر، أكد ماكرون دعم بلاده لحل الدولتين، وقال إن ما تريده فرنسا هو مبادرة سلام، مشدداً على دعم الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة، وتحدث عن معاناتهم من انقطاع الكهرباء والماء والأدوية من خلال مسارات متوازية، أجبرت الغرب على التحالف مع مصر لحل الأزمة ومنع التصعيد الذى قد لا يحمد عقباه.
وفي محاولة للتنصل من الاتهامات العربية علي المستويين الشعبي والرسمي ، بازدواجية المعايير ، قال ماكرون إن بلاده "لا تمارس معايير مزدوجة في مسائل القانون الدولي"، وأنه اتفق مع الرئيس السيسى لتعزيز الشراكة أكثر بين البلدين، قائلًا: "نسعى لمبادرة أمن وسلام تجنبنا مزيدا من التصعيد".
وعلي مدار الأسابيع القليلة الماضية، نجحت الدولة المصرية عبر مسارات دبلوماسية عدة فرض رؤيتها فيما يتعلق بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بينما تواصل سعيها لدخول مزيد من الشاحنات المحملة بالغذاء والدواء إلى السكان الذي يعيشون تحت وابل من القصف، بينما اعتمد المسار الآخر، على العمل على تحقيق التهدئة عبر الدعوة إلى وقف إطلاق النار، ليس عن طريق الوساطة وإنما من خلال حشد المجتمع الدولي بأكمله على أرضها، خلال قمة "القاهرة للسلام"، لإضفاء الشرعية على دعوتها، حيث نجحت بامتياز في وضع العالم، خاصة الدول المؤيدة للاحتلال، والتي طالما تشدقت بالمبادئ الحقوقية، أمام اختبار كاشف لمدى صدق الدعوات التي كثيرا ما أطلقوها، في إطار سياسي أكثر ما هو إنساني.
الخطاب الفرنسي الذي قدمه ماكرون، جاء بعد ساعات قليلة من مؤتمر صحفي للسفير الألماني لدي القاهرة ، فرانك هارتمان ، كشف خلاله عن تحرك يضم مصر والأردن وألمانيا وفرنسا لخفض التصعيد ومنع اتساع دائرة الصراع في غزة ، كما شدد كذلك علي ضرورة حل الدولتين.
زيارة المستشار الألمانى
كان للمستشار الألماني أولاف شولتز زيارة إلى القاهرة لبحث تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، وقد تحدث عن التداعيات التي يعاني منها قطاع غزة في خطاب مغاير للخطابات السابقة التي أكدت على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وهو ما اعتبرته تل أبيب ضوء أخر للفتك بالمدنيين في قطاع غزة.
ودعم المستشار الألماني الرؤية المصرية بضرورة وصول المساعدات العاجلة إلى قطاع غزة، وقال : "أننا نعمل سويا من أجل وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، حيث يحتاج الناس هناك إلى الماء والمواد الغذائية والأدوية، لن نترك المواطنين هناك وحدهم، وسوف يقوم العالم بدوره في تقديم المساعدات الإنسانية للمواطنين المدنيين".
وأوضح أن مصر وألمانيا يجمعهما الرغبة في منع انتشار تداعيات هذا الأمر في المنطقة، محذرا الدول الآخرى من أن تتدخل فى هذا الصراع، مشيرا إلى "أننا نود بالتعاون مع مصر أن نمنع تبعات هذه الحرب الفظيعة".، معربا عن خالص تقديره للدور المصري ومساعي التهدئة ومنع تصعيد الأوضاع وموضوع الأسرى، وقال :"إنكم قمتم في الماضي بدور مهم للغاية في التفاوض واليوم تحاولون أيضا بذل المساعي لتهدئة الأوضاع ومنع التصعيد وفي موضوع الأسرى".
وتابع: إننا نقوم بكل ما في وسعنا من أجل تحرير هؤلاء الأسرى وهذا من أهم الموضوعات التى تناولناها".
رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني
كانت إيطاليا من أوائل الدول التي دعمت الحرب التي تشنها حكومة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة ولم تركز على الوضع الإنساني في غزة إلا في مرحلة لاحقة، وقد أكدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني على ضرورة وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وهي نفس الدعوة التي تتطابق مع الدعوات المصرية بأهمية وصول المساعدات العاجلة.
وأضافت خلال كلمتها في قمة القاهرة للسلام: "يوجد رهائن إيطاليين داخل غزة ومنهم كبار السن وعلينا العمل سويا فى غزة.. والعمل على منع التصعيد في المنطقة وحتى لا نخسر السيطرة على التداعيات ولابد من إطلاق مبادرة سياسية لحل النزاع والصراع بشكل مستدام واحترام حل الدولتين وهذا حل واقعي يمكن تطبيقه في وقت وجيز.. ويجب أن يكون الشعب الفلسطيني له سيادة من خلال التواجد جانب الشعب الإسرائيلي".
رئيس وزراء بريطانيا
فيما قدم رئيس وزراء بريطانيا، ريشى سوناك، الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي على الجهود التي يبذلها لتوفير المساعدات الإنسانية الى غزة، تعهد سوناك خلال لقائه الرئيس السيسي، بمساعدة مصر في جهودها.
وحرص رئيس وزراء بريطانيا على التشاور مع الرئيس السيسي حول تطورات الأوضاع في قطاع غزة على ضوء العدوان الإسرائيلي على غزة وسقوط آلاف الضحايا والمصابين، ويأتي التشاور البريطاني مع مصر في ضوء التواصل المستمر بين الجانبين في شتى القضايا المختلفة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة