حازم حسين

الإفلات من فخاخ العدو.. محنة غزّة وسردية النضال بين القوّة والبروباجندا

الإثنين، 16 أكتوبر 2023 02:31 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فلسطين قضية عادلة؛ ولن يهنأ الاحتلال بتصفيتها مهما توحَّشت آلته القمعية، أو تطرَّف فى شهوة الدم وصناعة الموت؛ لكن العدالة وحدها لا تكفى للعبور الآمن. العالم ليس ملائكيًّا بأيّة درجة، والواقع الثقيل يُؤكّد أنه ليس شرطًا أن يفوز الأصدق والأكثر استحقاقًا وأخلاقية، بل الأقدر على اللعب والمناورة وتحصيل الشروط الموضوعية للفوز. إن كنّا لا نشكُّ لحظة فى عدالة موقف الفلسطينيِّين، فلعلّ استمرار التعقُّد وتأخُّر الحلّ يُوجبان الشكّ فى البيئة الدولية، والمُساءلة الجادة للوسائل والمسارات التى ترسَّخت حاملاً وحيدًا لمظلمة الأبرياء فى غزّة والضفّة والشتات. جدّية المُقاربة تستدعى أن نضع إخفاقاتنا على الطاولة مع إجرام العدوّ، وأن نُسائل أنفسنا بقدر ما ندين القتلة والمُنحازين إليهم؛ وليس من الحصافة ولا واجب اللحظة أن نُوغل فى العاطفة على حساب العقل، ولا أن نتحصَّن بالاستحقاق مُتغافلين عن ضرورة الاجتهاد فى تسويقه، ونقنع بحوارنا الشخصى وإيماننا الراسخ، بديلاً عن الحاجة لإقناع الآخرين، وتوسعة رقعة التعاطف والإسناد من كلّ اللغات والأعراق.
 
ما يجرى ضد قطاع غزة فجّ وظالم، ويُدمى القلوب والأرواح السويّة؛ حتى من لا يعرفون تاريخ المعاناة، ومَن يجهلون لُغتنا وفواتيرنا الباهظة من الدمّ المسفوح ظلمًا. المُزعج اليوم أن التضامن العالمى شحيح إذا قُورن بحالات سابقة، وحتى الرسائل الدبلوماسية المائعة ما عادت حاضرة، وهجمة إسرائيل الشرسة يُرافقها تعاطفٌ دولى ظاهر على عكس المعتاد، ليس من الحكومات الداعمة أو المؤسَّسات الأُمميّة فقط؛ بل يُمكن الوقوع على كثيرٍ منه فى الإعلام، ومواقف الكيانات المدنية، وضعف موجات الاحتجاج وتظاهرات الإدانة فى العواصم والمدن الكبرى. ثمّة مُتغيّر يتعيّن بحثه والتوقُّف أمامه، وإذا كانت مفاعيل المشهد ثابتةً بين نضال المقاومة لحقوقها المشروعة، وانفلات الاحتلال بوحشيّة عسكرية طاغية؛ فلعلّ الاختلاف تلك المرَّة فى الخطابات، منّا ومنهم، وفى فلسفة إدارة المعركة فى ميادين الدعاية والنفاذ إلى الرأى العام. لا نعيش وحدنا فى العالم، ولا يُمكن أن نستغنى عنه مهما كان ظالمًا ومُنحازًا، فهل أخفقنا فى مخاطبته ونجح الصهاينة؟
 
بقدر ما كانت عملية «طوفان الأقصى» مُتقدّمةً للغاية فى التخطيط والتنفيذ، وعلى صعيد اللوجستيات والمناورة والخداع وامتلاك المُبادأة؛ كانت إدارتها فى المستوى الإعلامى ضعيفةً وبائسة، وتلهَّفت على إثارة الإعجاب بخفَّةٍ وشعبويّة، أكثر من انشغالها بالأثر الإجمالى، وتحصين السلاح بالسياسة. نجحت الفصائل فى المُباغتة، وأطلقت وابلاً من القذائف، وأوهمت العدو بكَسْر السياج والاختراق برًّا وبحرًا وجوًّا، بينما كانت عناصرها تتسلَّل إلى أهدافها عبر الأنفاق. لم تتحقَّق هذه الكفاءة فى صياغة وتسويق الرسائل إعلاميًّا، فانزلق ما يُسمّى «الإعلام العسكرى» إلى بثّ مشاهد، يعلم أنها لن تلقى ترحيبًا من عوام الناس فى الغرب، وسيُعاد توظيفها من الحكومات لخدمة السردية الإسرائيلية، ثمّ تطوّرت العشوائية إلى تهديد كتائب القسام بإعدام الأسرى ردًّا على القصف. الوعى بأن الصراع غير مُتكافئ، وبأن الانحياز ثابت من البداية للدولة العبرية، كان يفرض المُواربة والتخفِّى، والحفاظ على حالة «المظلومية الإنسانية» صافيةً لا تُلوّثها الشبهات. تخيّل لو أن الفصائل جاهرت بالاقتحام السطحى دون لجوء إلى الأنفاق؛ الغالب أن العملية لم تكن لتنجح؛ هكذا الحال أيضًا فى معركة الصورة والكلمة.
 
الناضجون يتجاوزون البديهيّات، ولا يستسلمون للبكاء أمام الجدران الخانقة؛ بقدر ما يقفزونها أو يحفرون تحتها. منذ 1948، وقبلها، وإلى الآن، وفى المستقبل أيضًا، تنحاز المنظومة الدولية إلى دولة الاستيطان التى زُرِعت فى المنطقة بالغدر والقهر، ولم يعُد مُجديًا أن نستهلك محفوظاتنا القديمة كلَّما جدَّ جديد، أو وقع عدوان لا يختلف عن سوابقه. ربما اللحظة الوحيدة التى هزمنا فيها إسرائيل فعليًّا، عندما سعينا إلى الحق بالقوّة والدعاية والخداع والسياسة، فكانت حرب أكتوبر 1973، وبعدها السلام واستعادة الأرض. تكرار الفشل فى الوصول إلى آذان العالم، وهو «ضعيف السمع» عمدًا، معناه أننا لم نضبط الموجة أو نرفع أصواتنا بما يكفى، وربما كان صراخنا ضوضائيًّا وبلُغةٍ غير مُناسبة. إنها معركة النفس الطويل، وجزء منها دعائى وإعلامى، وأهمها أن تتجاور السياسة مع السلاح، كما كان أداء «عرفات» ومنظمّة التحرير طوال خمسة عقود، وفيها كانت نجاحات النضال الفلسطينى على ضآلتها.
 
ظلَّت القضية فى عقودها الأربعة الأولى مسألةً سياسية وإنسانية خالصة، تجاور فيها الشيوعيّون مع الليبراليين والإسلاميين، تحت راية فلسطين وحدها. التحوُّل تسرَّب بطيئًا و«مُؤدلجًا» منذ أواخر الثمانينيات، عندما اتخذ النضال لباسًا عقائديًّا ووضع عمامة «المقاومة الإسلامية». خطورة ذلك أنه شقَّ مسارًا نحو تديين الصراع، ربما كان غرضه تأليف قلوب المسلمين واستنفار المشاعر تجاه الأقصى؛ لكن آثاره الجانبية طالت أمورًا بالغة الحيوية: تعزيز الهوى الإسرائيلى لناحية تهويد الصراع، واستدعاء الكتب المُقدَّسة بدلاً من القانون والمواثيق الدولية، وتحييد ملايين من مسيحيى العالم، يتّصلون بالأرض روحيًا لكنهم غير معنيِّين بتشابكٍ إسلامى يهودى، ثم إلحاق الفصائل بأجندات سياسية، سُنّية أو شيعيّة، مثَّلت تهديدًا للدول الوطنية بالإقليم، وشرخت علاقة المقاومة بحواضنها المُباشرة. كان إسناد بعض الحركات للإخوان، أو علاقتها بالمحاور المذهبية «فوق العربية»، وصدامها مع «رام الله» من أجل السلطة، تقويضًا مُركّبًا لمشروع التحرُّر؛ حتى أن نتنياهو نفسه وصف حماس سابقًا بأنها «ذُخر استراتيجى» لإسرائيل. عندما يتجدَّد النضال من قاعدة دينية، فإنه يواجه العالم مُحمّلاً بكلّ رواسب الماضى، ولا سبيل للخلاص من التنميط والقولبة؛ إلا بإعادة اختراع المشروع الوطنى الفلسطينى من أرضيّة سياسية اجتماعية إنسانية، ومن دون لحى أو عمائم، أو بنادق مُزيّنة بالشعارات وخُطَب المنابر.
 
انحياز الولايات المتحدة صارخٌ وصادم ووَقِح، وكان مُؤتمر وزير خارجيتها أنطونى بلينكن مع نتنياهو شديد الابتذال والفجاجة. تحدَّث الوزير مع مصر فى فتح ممرَّات إنسانية لإيصال المُساعدات، ثم ذهب إلى إسرائيل ليتذكَّر يهوديّته، وكيف عاش جدّه فى معسكرات النازية، وشبّه «حماس» بتنظيم داعش، وبعدها حاول نزع الغطاء الشعبى عنها بادّعاء أنها لا تُمثّل الفلسطينيِّين، ولا تُعبّر عن طموحاتهم. تضمّن الحديث بكائيات ورسائل مُضلِّلة من الطرفين، أهمها تكرار المُبالغة فى مسألة قتل الأطفال والنساء فى المستوطنات، والإشارة إلى وفيات من ستٍّ وثلاثين دولة، دون اعتبار لمسألة ازدواج الجنسية، وتأكيد دعم واشنطن المُطلق لإسرائيل، وإرسال أكبر حاملتىِّ طائرات لهذه الغاية، مع تجاهلٍ كامل للحرب الدامية على «غزّة» وما يقع كل لحظة بحق المدنيِّين، نساءً وأطفالاً وشيوخًا، وبعدها عاد لنبرةٍ سياسية فى عمّان والرياض والقاهرة؛ كأنه مُهرّج فى «لعبة خداع». لا تبرير قطعًا للاصطفاف الأمريكى وراء دولة الاحتلال؛ لكنه الواقع الذى يجب على أهل القضية استيعابه والتعامل معه، وفى وقائع سابقة أُجبرت الإدارة الأمريكية على مواقف أقل انحيازًا، أو أقرب للحياد، وهنا يحقّ السؤال عن أهمية ألا نمنح الخصوم مُسوّغات يحتاجونها للتشدُّد فى خصومتهم، وأن نُدير المواجهات بأعلى قدرٍ من الرُّشد وأيسر حظٍّ من الرعونة.. إذا تأكّدت أن القاضى يميل إلى عدوك؛ فلا تُقدّم له ما يسمح بأن يُطوّر الجُنحة إلى حكمٍ بالإعدام.
 
لم يكن «اتفاق أوسلو» على قدر الآمال؛ إلا أنه أكبر مكاسب القضية حتى اللحظة. الفارق فى عُهدة الرجال، وكان «عرفات» قادرًا على المُوازنة بين السياسة والسلاح، وتحصيل المنفعة من الأمرين. والنتيجة أنه عاد من الشتات، وأسَّس حُكمًا ذاتيًّا بهياكل صالحة لبناء الدولة مُستقبلاً، ولم يتخلّ عن المقاومة أيضًا. حصاره الأخير فى المُقاطعة قبل وفاته تأسَّس على اتهامٍ إسرائيلى له بدعم الفصائل، وتهريب السلاح إلى غزّة. الواقع أن أوسلو يخفت بريقه بفعل الشراسة الصهيونية، ولأن بعض الجماعات الفلسطينية لا تُريده، وهى تتلاقى فى ذلك مع اليمين الإسرائيلى الساعى إلى تصفية ما تبقّى منه، بل كان اغتيال «رابين» تعبيرًا مُبكّرًا عن أنه لا مصلحة للاحتلال فى تمكين «منظمّة التحرير» من صفة التمثيل السياسى الشرعى لشعبها. حتى الآن ليست «حماس» عضوًا بالمنظمّة، وربما تُريد تفكيكها بأكثر ممّا ترغب تل أبيب. وعلى طريقة «أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض» فربما تبدأ محنة المقاومة مع تصفية السياسة، لا أن يكون ذلك عاملَ قوّةٍ لها كما تتوهّم. والحل أن يُصار إلى إعادة تأسيس المرافق السياسية، وترتيب السلطة، وإنتاج توازنٍ ذكى ودقيق بين السياسيِّين والمُقاتلين؛ إذ القطيعة الكاملة تُضعفهما معًا، والخلط بينهما يسمح بالإجهاز على المسارين بضربةٍ واحدة.
 
الصبغة الدينية مصلحة مشتركة لأطراف عدَّة، أوّلهم العدوّ وليست آخرهم بعض المحاور المذهبية فى الإقليم. الوضع الطبيعى أن تُصرَف نجاحات النضال الفلسطينى لصالح القضية حصرًا؛ لكن ما جرى طوال سنوات ماضية أنها كانت تُحوَّل إلى أرصدةٍ خارج الأرض المُحتلّة. ربما يُغذّى ذلك شكوكًا لدى بعض القوى العربية، فى جدوى تركيز الدعم على مجموعاتٍ تتحرّك وفق أجندات يقبض عليها آخرون. هذا الجنون الأُصولىّ بات حاضرًا بوضوح عبر المنصَّات الاجتماعية: أقلّية ضئيلة يتحدّثون من مُنطلقات إنسانية وأخلاقية، مُقابل أغلبية كاسحة تسجن المعركة فى حيِّز دينى، وبعضها لجانٌ مُنظّمة وجماعات طريدة تصطاد فى عُكارة المشهد؛ لتحصيل منافع سياسية. كان من نتاج ذلك شَنّ حملةٍ دعائية وقحة ضد اللاعب محمد صلاح، والمُزايدة الفجّة على دُولٍ قدّمت لفلسطين ما لم يُقدّمه غيرها، وابتزاز إعلاميِّين ومُثقّفين دعوا إلى المُناقشة العقلانية الجادة، دون إنكار عدالة القضية أو التضامن مع الفلسطينيين؛ كأننا إزاء فريقٍ يسعى إلى تسييد نظرةٍ أيديولوجية للمشهد المُحتدِم، وتغييب أسئلة المنطق والتقييم الواعى تحت لافتة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، بينما المسموع الوحيد صدى الإدانة وتبدُّل كثير من المواقف الدولية، التى كانت حليفةً أو مُحايدة؛ حتى أنها تطغى على قصف الاحتلال وجرائمه الشنيعة فى أحياء غزّة.
 
إسرائيل ظالمةٌ لا مظلومة، والولايات المُتحدة تُعزّز اللوثة العسكرية بدلاً من الدفع للتهدئة. الدول العربية وفى طليعتها مصر تلعب دورًا مُهمًّا فى محاولة بناء إجماع دولى على الاحتكام للعقل، وقال الرئيس السيسى - بوضوحٍ - «إن السلام العادل والشامل، هو السبيل الوحيد للأمن والاستقرار، عبر التعامل مع الأسباب الجذرية للأزمة لا أعراضها فقط، وإنّ مصر لن تقبل تصفية القضية على حساب آخرين». كان ذلك موقفًا صارمًا من حديث إزاحة الفلسطينين إلى سيناء، بعدما أثارته أبواق إسرائيلية ثمّ تراجعت عنه، وبعدما تحدث نتنياهو عن خريطةٍ جديدة للشرق الأوسط يرسمها الاعتداء الدامى على غزّة، ولا معنى إلّا أنه يُضمر نيّة التهجير وقَضم الأرض. ربما كان فى أذهان المُلوّحين بالفكرة ما جرى من اقتحامٍ للحدود فى 2008، لكنّ الإدارة المصرية وعت الدرس، وحصَّنت حدودها، وفى ذلك دفاعٌ عن فلسطين / الجغرافيا والبشر والحقوق العادلة، لا عن سيناء فقط. المُؤسف أن بعض كتائب الرجعيّة يلتقون مع العدوّ فى نواياه، ويُتاجرون بالمحنة فوق ما يحتمل الظرف، وتُفصح المُخطَّطات السوداء، وهم فى ذلك إمّا ينهمكون فى العواطف، أو يستعيدون روايةً مشبوهة عن التوطين من أحد كُتب معين بسيسو، وكانت ثورة يوليو منذ بدايتها قد رفضت - بحسمٍ - مشروعًا قديمًا من مفوضيّة اللاجئين، وأغلقت ملفّه تمامًا بإزهاق اتفاقية من أيام النظام الملكى، رغم مساعى بعض الغزّيين للالتحاق بمصر.. استدعاء الحكايات الرثّة ليس فى صالح الوضع الراهن، وكذلك التضليل والمُزايدة والتديين والانقسامات الداخلية ولُعبة المحاور، ربما يستفيد فريق من بعض الممارسات جزئيًّا، وقد يفرح بها حليفٌ أو مُموّل؛ إنما يظلّ الاحتلال الغاشم أكبر المُستفيدين دائمًا من أى انحراف فى بوصلة الفلسطينيين. 
 
غالبًا لم يكن الردّ الإسرائيلى ليقلّ عنفًا لو أن المقاومة لم تنشر ما نشرته من صور وفيديو؛ لكن ربما بعض المواقف الدولية كانت ستختلف، وربما شَقَّ على واشنطن أن تلتحق بمجلس الحرب على ما فعلت بموفورٍ من البجاحة والاستخفاف. ليس الغرض إطلاقًا لوم الفصائل أو تحميلهم المسؤولية، وهم أحرار فى اختياراتهم ويتكبّدون كُلفتها ثابتين وصابرين؛ إنما المقصود أن تكون المآلات موضعَ درسٍ واهتمام، وأن تتعرّى الغطرسة من كل «ورقة توتٍ» مُمكنة، ولا يتعثّر الرهان على بناء حواضن إنسانية داعمة للقضية فى كلّ المجتمعات؛ إمَّا للضغط على حكومات الغرب، أو لبناء جدارٍ صلبٍ أمام زحف الرواية الصهيونية المُلفّقة.. التحدّى الحقيقى فى استعادة النزعة الإنسانية للقضية، وتغليبها على ما عداها من نزعاتٍ وتوصيفاتٍ مُصطنَعة. فلسطين ليست مسألة إسلامية أو حتى عربية؛ رغم أنها تحظى بمساندةٍ حقيقية وواسعة من كلّ العرب والمُسلمين؛ إنّما هى سؤال مطروح على الضمير العالمى، ومُعاناة ممتدّة لبشرٍ سُرِقت أرضهم وحرّيتهم، ووسيلة حلِّها أن يصل الفلسطينيون إلى حقّهم فى دولةٍ مُستقلّة، وأن يعود اللاجئون لا أن يُطرَد الباقون من أصحاب الأرض.
 
الطريق إلى ذلك ترسمه السياسة والمقاومة، وليس خيارًا واحدًا منهما، ولا يُغنى فيه السلاح عن الإعلام والمناورة، وعدم تمكين دعائيّات العدوّ وداعميه من رقبة السردية الإنسانية العادلة. ما كان بالإمكان توصيف الفصائل بالداعشية لو أنها خلعت العمامة، وارتدت «الكوفيّة والعَلَم» وحدهما، وما كان واردًا أن يتلوّث «طوفان الأقصى» فى عيون المُتردّدين والمُحايدين لو تمتّعت آلة الدعاية بالحصافة فيما تبثّ وتقول.. «تل أبيب» تُشيطن غزّة هروبًا من سابق جرائمها، وتبريرًا لكلّ ما تُخطّط له مُستقبلاً، وحديث التوطين يتجدّد مع إزاحة السكان بالقصف والنار، وسيكون الخطاب الدينى رديفًا للاحتلال فى غايته، بالمُزايدة على مصر أو المطالبة بفتح الحدود. ما يُنقذ القضية من عدوّها الصهيونى المُباشر، ومن أعدائها المُتخفّين فى ثوب الصديق، أن تسترد صيغتها الفلسطينية الصافية، ونقاءها الأخلاقى، وإخلاصها للغاية الوطنية بانقطاعٍ عن الأخونة والمذهبيّات. لن يتوقّف الصهاينة عن القتل، ولن يُصبح العالم عادلاً فى غمضة عين، لكن بالإمكان أن نتوقّف نحن عن تكرار أخطاء الماضى.. حفظ الله غزّة وسائر فلسطين.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة