"ليس أشق على نفسي في الكتابة من بين كل الموضوعات التي كتبت عنها في هذا الكتاب قدر أن أكتب عن حرب أكتوبر 73، حرب يوم كيبور.لكنها حدثت ومن هنا فلابد أن أكتب عنها لا من الناحية العسكرية فذلك أمر أتركه للآخرين وإنما ككارثة ساحقة وككابوس عشته بنفسي وسيظل باقيا معي على الدوام".
هكذا تفتتح جولدا مائير الفصل الرابع عشر من كتابها (حياتي)، حيث كان عنوان الفصل واضحا لا لبس فيه مكونا من كلمة واحدة هي (الهزيمة)، وهو الكتاب الذي نشرته بعد تقاعدها بسنوات قليلة، وتمت ترجمته ونشره في دار التعاون بمصر عام 1979، وقد كتبته بصيغة المذكرات الاعترافية، بما لا يدع مجالا للشك أن تلك هي وجهة نظرها في أحداث حياتها كما عاشتها وكما تحب أن تحكيها.
كان دافعي للنظر الآن في تلك المذكرات بعد أن شاهدت فيلم "جولدا" الذي يتبنى وجهة نظر جولدا مائير في حرب أكتوبر، والذي يحاول أن يبث في داخل قصته ما يوحي بأنه على الرغم من فقدان الاتزان من الصدمة الأولى في تلك الحرب، وعلى الرغم من أن موشي دايان قد انهار أمام الهجوم المصري والسوري فإن الجيش الإسرائيلي قد استطاع أن يمتص الصدمة ويحولها إلى نصر عن طريق الثغرة التي أحدثها شارون فاستعاد دايان (حسب رواية الفيلم) لقدرته مرة أخرى، واحتفلت جولدا مع قوادها في نهاية الفيلم بشرب نخب الانتصار المزعوم عندما قبل المصريون الجلوس على طاولة المفاوضات.
أقول هذا وأنا تملأني دهشة من كثير من الأصدقاء الذين رأوا في فيلم جولدا اعترافا بالهزيمة، دون أن ينظروا في التفسير النهائي الذي يجعل تلك الهزيمة مرحلة تم تجاوزها.
التناقض الشديد بين الوثيقة التي دونتها بنفسها جولدا مائير وبين الرسالة المبثوثة في نهاية الفيلم يجعلني أتساءل، لماذا الآن بالذات، لماذا انتظر هؤلاء لكي يبدأوا في سرد قصتهم المكذوبة، هل يرتبط ذلك بمرور خمسين عاما على الحرب، أم إنهم قد وجدوا الفرصة قائمة عندما بدأنا نحن – أو بدا ذلك – في نسيان قصة نصرنا، أم أنهم يحاولون صنع تاريخ جديد يسطرون له وثائقه السينمائية الخاصة؟
ثم لماذا استطعت مشاهدة هذا الفيلم مترجما بالعربية على قناة مفتوحة مجانا على الرغم من أنه من إنتاج الشهر الماضي؟!!
لكن المؤكد أن كذبهم تفضحه أقوالهم هم، وأن المذكرات التي كتبتها جولدا مائير تثبت بما لا يدع أي مجال للشك قصتنا نحن عن هذا النصر المجيد، وأننا يجب علينا أن ننشر قصتنا تلك بكل السبل الممكنة قبل أن يثبتها هؤلاء المدعون في التاريخ.
لقد آن الأوان لكي تكون لنا كلمتنا التي نقولها بكل الوسائل الممكنة حول حقيقة نصرنا الذي يحاول بعض الكاذبين قلب حقائقه، ويحاولون نشر قصتهم هذه في العالم كله بل أحيانا في عقول أبنائنا، فليس أقل من أن نواجه ذلك دفاعا عن حقنا وحقيقتنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة