الآن فقط أعرف كم هي قصيرة الحياة، دخلنا المستشفى معا نشعر بآلام، تبادلنا أطراف الحديث، حاولت ممازحته فوجدته متعبا للغاية، على غير العادة لا يستطيع الضحك، كلانا حدد له الطبيب ميعادا آخر للكشف، ولكن علام فجأة تم حجزه، بالتأكيد سيخرج سريعا، لسة شباب وصحته كانت "بمب"، ده احنا داخلين نكشف سوا، فجأة الجميع يطلب الدعاء له، أيام قليلة ورحل علام، الزميل والصديق والأب لأطفال مازالوا صغارا، الأسطورة كما كنا نطلق عليه لشدة تميزه وتفانيه فى عمله ومحبة الجميع له.
لم أتخيل أن لقائي بعلام في المستشفى سيكون الأخير لنا، هذه ليست المرة الأولى التي يتصادف أن ندخل للمستشفى في نفس اليوم، ولكن هذه المرة شعرت أنها مختلفة، لا يستطيع الحديث، ولا الضحك، دائما كانت لديه القدرة على التعامل مع الألم، ولكن لم أتخيل للحظة واحده أن هذا اللقاء الأخير، وأن علام سيرحل إلى الأبد، تاركا خلفه ذكرى عطرة، ورحلة عمل وكفاح ومحبة سيظل الجميع يتذكرها.
اليوم فقط أشعر أن الحياة قصيرة للغاية، فعلام في نفس عمري، تزاملنا كثيرا العمل في صالة التحرير، كان أكثر رؤساء الأقسام ومدراء التحرير فهما لعمل تليفزيون اليوم السابع، والأكثر أيمانا بأهمية هذا المشروع، وبالتالي كان الأكثر مساهمة فيه وأحد أهم عوامل نجاحه، ولهذا كان التواصل بيننا لا ينقطع تقريبا لفترات طويلة.
رحل علام عبد الغفار الذى يعد أحد الشباب المؤسسين لليوم السابع، وأحد أهم عوامل نجاح هذه المؤسسة لسنوات طويلة، فكان شعلة نشاط يمكن للجميع أن يشعر بها في صالة التحرير، شعلة من النشاط دون ضجيج، كثير من العمل، كثير من الإنتاج، كثير من الأفكار، قدرة فائقة على التعامل مع كافة الأزمات لعشرات المراسلين في طول مصر وعرضها، وربطهم بصالة تحرير اليوم السابع، إضافة لإدارة صالة التحرير نفسها بالكامل في كثير من الأوقات.
أستطيع القول وبدون أدنى شك أن علام عبد الغفار هو أكثر من تمكن من زرع مفهوم الصحفى الشامل في قلب وعقل فريقه، فتجد جميع مراسلين اليوم السابع لديهم القدرة على الكتابة الصحفية الجيدة وأيضا التقاط الصور والفيديوهات وحتى المونتاج بدقة عالية، ليحول قطاع المحافظات في اليوم السابع إلى رأس حربة للمؤسسة والقادر دائما على صناعة الفارق ووضع المؤسسة فى المقدمة.
عمل ضخم بهدوء شديد، قرارات ذكية دائما، خبرة وقدرة عملية كبيرة ومعرفة بأدوات المهنة بكل تفاصيلها، معجونة بطيبة وجدعنة وذكاء ودهاء أهل الريف، فهو أحد أبناء محافظة الفيوم، وجه بشوش وقرارات حاسمة، تفاني في العمل ومحبة للجميع، هذا المزيج يمكن أن يلخص بعض الشيء الطاقة التي كان يمثلها علام عبد الغفار في صالة تحرير اليوم السابع.
وداعا علام عبد الغفار، كانت رحلة قصيرة ولكنها رائعة، إلى لقاء قريب بالتأكيد، أتمنى أن نبتسم فيه كالعادة، أن أشعر بنفس الحماس والطاقة والود والصدق الذين كنت أشعر بهم حينما نتحدث، يقولون دائما عن من يرحل مبكرا أنه "بن موت"، أنه رائعا لدرجة أن هذه الدنيا لا تسع له، ونحسبك كذلك، وتذكروا دائما أن هذه الدنيا قصيرة للغاية وأن الموت حينما يأتي لا يطلب إذن أحد مهما كان العمر أو الوقت ومهما كنا نملك من طاقة وأمل وأحلام لازالت عالقة، يمكنه في لحظة أن يقطع كل هذا ويكتب نهاية الحكاية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة