لسيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عبارة شهيرة تقول:" أظل أهاب الرجل حتى يتكلم فإن تكلم سقط من عيني أو رفع نفسه عندي"، وفى أيامنا هذه أظل أحترم الرجل حتى يكتب كلمة "جنيه"، التي تشير إلى العملة المصرية الوطنية أساس البيع والشراء والمعاملات المالية بين الناس لتتحول إلى "جنية"، التي تعبر عن تلك المخلوقات الأسطورية السحرية الموجودة في الثقافات المختلفة بصور وأشكال عديدة، وترتبط في الموروث الشعبي بالجن والشياطين وكل ما هو خارق للعادة.
للأسف وصلت اللغة العربية إلى مرحلة صعبة صارت معها كلمة "جنية" في الإعلانات التلفزيونية والملصقات الكبيرة في الشوارع والميادين، واللوحات المضيئة على الطرق السريعة، بل صارت على الملصقات الورقية والكرتونية للمنتجات والأكياس البلاستيك لعبوات المأكولات والمشروبات، لتدلل على أسعار هذه السلع وتلك المنتجات، وهذه جريمة كبرى في حق "العربية" لغتنا الأم، وعدوان صريح على ثقافتنا وهويتنا، لدرجة صرنا معها لا نفرق بين الهاء والتاء، في صورة معتمة قاتمة، باتت نماذجها الخاطئة أكثر تداولاً وشيوعاً من الصحيحة!
من باب العدل والإنصاف، الأخطاء اللغوية والإملائية منتشرة منذ فترات طويلة، وليست لصيقة بهذا الجيل أو الأحيال القريبة السابقة، لكنها مشكلة قديمة، تعود ربما لعشرات السنوات، إلا أن خطورتها زادت مع الانتشار الكبير لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بصورة فاقت كل الحدود، لدرجة ألحظ معها تلك الأخطاء في الأفلام والمسلسلات والبرامج القديمة، تظهر واضحة في العناوين، أغلبها يتعلق برسم الهمزة على بعض الكلمات أو أخطاء التفريق بين الهاء والتاء، لذلك يجب أن نعترف بالمشكلة دون أن نحملها لجيل دون غيره.
مهم جداً أن نواجه أخطاء القراءة والكتابة في لغتنا العربية، وهذه المواجهة تحتاج إلى شجاعة خاصة، نعترف معها بالخطأ، ونبدأ التعلم دون خجل أو مكابرة وعناد، ونبدأ بأنفسنا ونقاط الضعف لدينا، وننقل خبراتنا مع أبنائنا وأسرنا، وأصدقاء العمل وزملاء الدراسة، وندفع مع الجهات المعنية باللغة والثقافة نحو تنظيم حملات توعية، وتوجيه لتصحيح مسار اللغة العربية نطقاً وكتابة.
تصحيح مسار الأخطاء في اللغة العربية، خاصة تلك المتعلقة بالكتابة والإملاء يمكن أن نعلمها بعضنا البعض بسهولة، بلا مشكلات، لكن بشرط أن يكون هذا التعلم دون استعراض أو تعالي أو ممارسة بعض أشكال السخرية وتوجيه الإهانات للمتعلم، لذلك أقول لمن يقرأ هذه الكلمات:" صحح أخطاء اللغة لمن حولك متى استطعت إلى ذلك سبيلاً، دون أن توجه إهانة لصاحب الخطأ، أو تمارس غرورك الإنساني أثناء تعليمه، بل اجعل دائما يد النصح تسبق اللوم والتوبيخ، يا حبذا لو علمته القاعدة والقياس الصحيح، الذى يمنحه القدرة على القياس الصحيح وتلافي الأخطاء، بدلاً من التصحيح العارض الذى يجعله يصحح الخطأ دون أن يفهم المعنى أو المراد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة