أفضل ما تلاحظه في مجتمعنا المصرى، هو انعدام العنصرية بمفهومها السيئ الثقيل على النفس، فدائما يتأثر المصرى ويؤثر في الجميع، فتمتزج ثقافته مع الآخر، وتتضاءل فرص وجود عنصرية أو أحادية، وبالتالى ففكرة العنصرية تتلاشى لدى المجتمع المصري، ولكنها تُحمل على سياق لفظى آخر، لا ينتبه الكثيرون له، وهو التنمر، ولكن على الرغم من الدعوات الاجتماعية والسياسية والثقافية لرفض فكرة التنمر ومحاولة تحجيمها بداخل المجتمع لما لها من الآثار النفسية والاجتماعية، إلا أن مجتمعنا قادر على تحويل كل شىء لنكتة، وبالتالى فإن التنمر هنا قد يفقد معناه هو الآخر، ولا يظهر إلا فى سياقات فردية وهو ما يحدث ضجيجا داخل المجتمع.
المصريون يعرفون بأنهم قادرون على تحويل أصعب المواقف لهزل ونكات، بغرض امتصاص الصدمة، ولاتخاذ جانب آخر من تلك المشكلات وإعادة الرؤية من جديد، فعلى الرغم من تعارف التنمر فى المجتمع الدولى بأنه فعل مشين، إلا أنه يتم داخل المجتمع المصرى كنوع من الدعابة المقبولة على الصعيد العام، على الرغم من رفضه جملة وتفصيلاً.
وعلى الرغم من تحول الأنظار لمحاربة التنمر، إلا أن صورة منه قد تشكل جزءا رئيسيا من مكونات الشخصية المصرية الساخرة، ويقوم به كافة الطبقات، يجرى حالياً وسيظل مستقبلاً، ولكن آثاره أصبحت تختلف؛ نتيجة قدرة المجتمع على الامتصاص ونموذج الرفاهية المستحدث بداخله، وليس دفاعاً عن فكرة التنمر إطلاقاً، ولكن كمحاولة لفهم فكرة التنمر بحد ذاتها وفهم الفارق الطفيف بين الهزل والكوميديا المجتمعية المقبولة بين الأفراد وبعضهم وفكرة التنمر بحد ذاتها، التى تحتاج إلى دراسات جادة لتوعية الناس بالفارق بينهم.
إذن، ففكرة العنصرية غير موجودة، ولا تظهر إلا نادراً، ويتم علاجها فور نشوئها من داخل المجتمع نفسه، الذى أصابه الوعى الثقافى بطريقة أو بأخرى، وهى أيضاً تحتاج لدراسة، مما يحيلنا لتوضيح الفارق بين التنمر والعنصرية، فالعنصرية هى رؤية فرد أو مجموعة بالتميز أيا كان نوعه "عقلى أو دينى أو سياسى" على باقى الطوائف والفرق الأخرى من البشر، وبالتالى فالنظرة الاستعلائية والغرور أو بتعريف النفس الفرويدى "الأنا الأعلى" يكمن فى أقصى درجاته، ويصبح بقية البشر عبيدا أو مخلوقين لخدمة الجنس أو الفئة الأسمى، والتى تتميز بصفات تجعلهم السادة، ولكنها مع ذلك من وجهة نظرهم درجات طبيعية موروثة، وليست مكتسبة، فحتى وإن تميز أحد دونهم، فأنه ما زال فى الصفة الأدنى، ولن تختلف المعاملة إلا قليلاً، فتميزه لن يجعله يرتقى لاكتساب ما هو لهم حق طبيعى أو وراثي، فاللأسف لا علاج للعنصرية إلا بتفكيك الفكرة من منبعها، ومحاولة إيجاد نقاط للتقارب بين البشر وبعضهم، والعمل على إزابة الفوارق وبيان أنه لا فارق بين شخص وآخر، إلا بالعمل والقدرة على إحداث تغيير يساهم فى مساعدة البشرية للوصول لأفضل حالاتهم. ، ومن فضل الله على مصر، لا توجد بها عنصرية أو أي شكل من اشكال التميز التي تعانى منه مجتمعات كثيرة في شتى بقاع الأرض.
لكن، عندنا حس الدعابة والسخرية، قد تتحول إلى سماجة أو تنمر، وقد يقع ضحيته أحد أفراد المجتمع، بناء على لكنته، أو أسلوب حياته، أو حتى مظهره، فكل ما هو مخالف ما يلبث أن يُهاجم من بين أقرانه، فى المدرسة أو الجامعة أو حتى العمل، وكثيرا ما يدافع مرتكبه أنه لا يقصد التنمر أو الاستهزاء، بل كان يرمى إلى الدعابة وتوليد الضحكات، ويرى البعض إذا كان ذلك من قبل الفكاهة والهزل بين زملاء العمل فلا يمكن عمل شىء، لأن النية غير مبيتة على التنمر، بشرط أن يقبل الطرف الآخر، ولا يشعر بالدونية أو الضآلة ،الفكرة تتلخص فى كون الأمر مقبولا أم لا، فهى القضية بحد ذاتها، وبدونها تنتهى أى قضية قبل أن تقام.
ولذلك فإن التوعية يجب أن تشمل التفريق بين المزاح والدعابة المقبولة، التي لا تؤذى شعور الآخر، وبين دعابة سمجة ثقيلة على النفس تؤذى المشاعر والأحاسيس، وتسبب جرحا للآخر، ومن هنا يجب محاولة إفهام المجتمع بأفراده وفئاته بنماذج للتعامل مع بعضهم البعض قائم على الصداقة وعدم الإيذاء بالقول أو بالفعل، واحترام مشاعر الآخرين بقدر الإمكان وتخير الأسلوب المناسب المقبول الذى يتوافق مع الأغلبية.
أما فيما دون ذلك فلا ينبغى أن ننساق وراء دعاوى ذات مصطلحات بأبعاد أخرى لا تتطابق مع ما نمر به فى مجتمعنا المصري، الذى دائما ما كان متماسكا متمازجا مع نفسه بكافة طوائفه وألوانه وعرقياته، ولم تغيره ثقافات شرقية أو غربية، بل ظل دائما مثالا للتلاحم والاندماج والتواصل مع الآخر مهما كانت ثقافته أو عاداته وتقاليده.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة