في الوقت الذي يتحوط فيه العالم من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، من خلال تقليل معدلات الاستهلاك والمحافظة على فرص العمل، واستخدام البدائل المحلية عوضاً عن المنتجات المستوردة لتقليل الفجوة بين الصادرات والواردات، الكل في مصر يبحث عن الاستثمار والادخار والمكاسب، التي لا يراها العالم كله ونراها نحن فقط، وهذا في اعتقادي من العجائب الجديرة بالدراسة والتحليل، خاصة أنه في الوقت الذي يعانى العالم من تداعيات التضخم المنهكة، والآثار السلبية لما بعد كورونا واضطراب سلاسل الإمداد، يتحدث البعض عن ادخار واستثمار وتوقيت مثالي لتحقيق المكاسب!
الفترة الراهنة تحتاج إلى العمل والإنتاج والحفاظ على معدلات نمو مستقرة على مستوى الدولة والحكومة، أما على مستوى الأفراد فيجب تحقيق الاستقرار المهني والوظيفي كلما كان هذا ممكناً، بالإضافة إلى الحفاظ على توفير معدلات سيولة أكبر للتمكن من مواجهة أعباء الحياة، وزيادة الإنفاق المرتبط بارتفاع معدلات التضخم ومستويات الأسعار، التي سترتفع بصورة أو بأخرى نتيجة زيادة تكاليف الإنتاج، وأسعار الخامات المستوردة من الخارج.
مهم أن يتوجه الأفراد لادخار فائض أموالهم، وتوظيفه في الأدوات الاستثمارية التي يرغبونها، لكن يجب مراعاة ما سيحدث خلال الفترة المقبلة، ومعدلات التضخم العالمية، فلو فكرنا جميعا بنفس الصورة، ووجهنا أموالنا في أدوات استثمارية غير سليمة سوف ندفع الاقتصاد إلى المزيد من الانكماش والتراجع، وهذا أمر جد خطير، ولعل توجيه الأموال في الوقت الراهن نحو الاستثمار في القطاع العقاري، واحد من المخاطر التي يجب أن نتنبه لها.
أسعار العقارات في مصر حققت طفرات كبيرة بعد تعويم الجنيه في 2016، ومنذ هذه الفترة تراجعت معدلات المبيعات، وارتفع حجم المعروض بصورة دفعت الشركات إلى طرح برامج تقسيط حتى 15 عاماً، بالإضافة إلى مبادرات التمويل العقاري التي قدمتها البنوك بتوجيه من الدولة لتنشيط القطاع العقاري، لذلك لن تتحمل هذه السوق زيادات جديدة في الأسعار، حتى وإن كانت التكلفة الفعلية زادت بمعدلات معتبرة، لذلك لم يعد حلاً جيداً ان تحفظ اموالك ومدخراتك في أصول عقارية، فلن تتمكن من تسييل هذه الأموال حال الحاجة إليها في وقت قريب، بالإضافة إلى الركود الممتد المتوقع بعد انتهاء موجة التضخم العالمية، فالمشكلة الكبرى ليست التضخم في حد ذاته مادامت الأموال موجودة، ولكن ستظهر المشكلة عندما تختفي السيولة من الأسواق وتتآكل المدخرات، وتقل فرص العمل وتتسع البطالة، وهذا نموذج مثالي لما يعرف بـ "الركود التضخمي"، حيث لا سيولة في الأسواق، لا حركة مستقرة في البيع والشراء، لا فرص عمل جديدة، مع غياب قدرة الشركات والمؤسسات على تمويل أنشطتها أو توسيع قاعدة أعمالها.
التوسع في الاستثمار العقاري على حساب الأنشطة الزراعية والصناعية، أمر في غاية الخطورة، فقد يحافظ صاحب العقار على أمواله في أصل ثابت، لكن دورة رأس المال سوف تخسر فرص نمو متوقعة، ويفقد الاقتصاد فرص عمل ووظائف نتيجة توقف الأنشطة كثيفة العمالة مثل الصناعة والزراعة، بعد قرارات الأفراد بحصر نشاطهم في أصول ثابتة، وهذا بدوره يدفع الأسواق إلى المزيد من الركود والانكماش، ويعد أخطر بكثير من السيناريو الأول المرتبط فقط بالتضخم وارتفاع الأسعار، لذلك بات مهما أن يتم توجيه النصح للاستثمار في مشروعات تخلق فرص عمل، وتحافظ على نشاط الأسواق، دون التفكير بشكل نفعي فردى، لأن الأضرار والمخاطر سوف تلحق الجميع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة