لأنه كتب أسطورته بحروف من نور عبر بطولات لا ينتهى صداها بمرور الزمن، بل تبقى حاضرة فى حياتنا إلى نهاية المدى، فسيظل الشهيد هو فخر الوطن، والقلب الذى توقفت نبضاته فداء للوطن والشعب، ودفاعا عنه ضد الظلم والأعداء، والاحتفاء بيوم الشهيد ما هو إلا تخليد لبطولاته وتضحياته، فالشهيد حكاية يفتخر بها الجميع، ومنارة يهتدى بها أبناء الوطن ليواصلوا المسير نحو حفظ الوطن، والشهيد فوق هذا وذاك هو القدوة للجميع؛ وذلك جراء ما ضحى بأغلى ما يملك من الدم والعرق والجهد الذى لا يضاهى فقد وصل إلى أفضل مرتبة، وهى مرتبة الشهادة التى ضمن بها الجنة، فالشهيد حى يرزق عند ربه، والاحتفاء به فى الدنيا ما هو إلا تكريم بسيط لكل ما قدم؛ ليعلم الجميع.. أن الشهداء لا يموتون أبدًا.
للشهيد حق فى الوفاء إليه، حق ثابت فى رقابنا جميعا، وهو حق الوفاء إليه واستذكاره دائما فى جميع لحظاتنا، فالشهداء ليسوا مجرد أرقامٍ أو أسماء، بل هم قصص وحكايات لأشخاص لم تهمهم الحياة بقدر همهم فى الدفاع عنا والحفاظ على كرامتنا بين الجميع، لهذا فإن أقل ما يمكن أن نفعله لأجل الشهيد هو تعريف الأجيال به كى يظلوا يتذكروه ويعرفوا قصته ويأخذوا منها العبرة المفيدة، فالشهيد الذى لم يسأل عن حياته ولم يفكر لحظة فى التراجع عن مبادئه يستحق منا أن نمنحه كل الحب والتقدير والاحترام، ويستحق أن نمنحه الأوسمة التى تليق به والمطرزة باسمه، ورغم غياب شهدائنا إلا أنهم حاضرون بذكراهم واستحضار أمجادهم وتكريم ذويهم، والحديث عن تضحيات أبناء الوطن نصرة للحق، يعجز عنه القلم، فلولاهم ما ارتفعت راية الأوطان وانتصر الحق والعدل على الباطل والظلم، فرسالة الشهيد تحمل فى طياتها كل معانى الشرف والإباء، وتضرب الأمثلة فى التضحية.
ومن أجل هذا قال الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، إن يوم الشهيد هو يوم نكرم فيه ليس فقط أرواح الشهداء من رجال القوات المسلحة والشرطة البواسل، أو أى مواطن يؤدى دوره بتفانٍ وإخلاص وإنما نكرم فيه أيضا عطاء الصامدين الذين يحملون مسئولية هذا الوطن ويصلون الليل بالنهار ليحيا شعب مصر العظيم فى سلام وأمان واستقرار، وأضاف خلال احتفالية يوم الشهيد، أول أمس الأربعاء: (ولتؤكد مصر أنها غنية بأبنائها الأوفياء جيلا بعد جيل، مسلمين راية الوطن مرفوعة خفاقة ونتصرة بعزة وكرامة وأن هذه الراية لن تنتكس أبدا بإذن الله، ثم بفضل عزيمة هذا الشعب العظيم وأصالته وتضحياته، ووجه الرئيس التحية إلى الحضور فور دخوله قاعة الاحتفال الذى بدأت وقائعه بتلاوة آيات من الذكر الحكيم للشيخ أحمد تميم المراغى، وعقب ذلك تم عزف سلام الشهيد.
لقد أكد الرئيس السيسى أن تكريم الشهيد يكون بكتابة قصته فى كتب التاريخ، كى يحفظها الأبناء والأحفاد، ويسيروا على نهجها ويتخذوه قدوة لهم فى تضحياتهم للوطن، فالشهيد قنديل من قناديل الوطن المشتعلة التى تزيح العتمة عن الدروب، وتجدد العزيمة فى أبناء الوطن كى يشعروا بالحماسة نحو العمل والجد والاجتهاد وتحقيق الأفضل دوما، فالأمم الراقية تحتفى بشهدائها دوما وتخلد ذكراهم فى الكتب والميادين، ويطلقون أسماءهم على الشوارع، والساحات، والمرافق، كى يظلّ ذكرهم دائما بين الناس، لذا جاء العرض المسرحى الذى برع فى أدائه كل من العملاقين (ماجدة زكى وخالد الصاوي)، فضلا عن (أمير المصرى، هبة مجدى، مايان السيد، أحمد خالد صالح) أنشودة جديدة تضاف إلى سجل القوى الناعمة المصرى بأروع الصور التى تؤكد قواتنا الناعمة فى ظل ظروف ومخاطر تحيق بمصرنا العزيزة.
فضلا عن أغنية (متطمنين)، كلمات وألحان وائل السمرى رئيس التحرير التنفيذى لليوم السابع، وغناء سهيلة بهجت نجمة برنامج (ذا فويس كيدز)، ويضم فريق عمل الأغنية الموزع أنور عمرو، هندسة صوتية مودى منير، صولو ناى محمد جمال، إدارة أعمال طارق زكريا، منتج صوتى أسامة جميل، تصوير أحمد معروف، جرافيك طارق عبدالعزيز، مونتاج هاجر السبيرى،dop محمد نبيل، وإخراج شادى أبو الحسن، ويقول مطلعها:
مطمنين علشان ولادنا فى كل شبر
فى أرض مصر منورين
حالفين يمين ليدافعوا دايما عنها
وبدل اليمين مليون يمين
مطمنين
علشان وطنا بيقوى
فى الشدة وأبدا لا يلين
كام مرة حاولوا يكعبلونا
ويهزمونا ورجعوا دايما مهزومين
تعظيم سلام
يا شهيد مرفرف فى السحاب
تعظيم سلام
فى الجنة يا زين الشباب
متخافش أخواتك رجال
مبيعرفوش كلمة محال
زيك أشد من الجبال
وعلشان كده مطمنين.
دموع رئيس الجمهورية التى فاضت فى هذا اليوم ليست حزنا على من فارقونا بأجسادهم، بل دموع من يفخر بسيرة الشهيد، ويقسم على تنفيذ رسالته، لأنها بمثابة وصية واجبة النفاذ، ليس انتقاما من عدو غادر اغتال زهرة شبابهم، بل وعد بأن تصبح أرض هذا الوطن جنة كما راودت خيالهم، وفى هذا الصدد قال الرئيس السيسي:(خلوا بالكم من بلدكم.. الناس دى (الشهداء) راحت عند ربنا سبحانه وتعالى وقدمت دمها علشان البلد دى تعيش.. تعيش بخير بصحابها وأهلها الموجودين، يكبروها ويعلوها ويحافظوا عليها وميخربوهاش، وإلا كل تضحية اتقدمت من 8 سنين يبقا مكنتش فى مكانها، وأضاف الرئيس: (أتصور إن العنوان والرسالة اللى ممكن كإنسان مصرى أتلقاها من سيرة الشهيد والمصاب، إن التمن اللى هو دمى وروحى قُدم علشان الدولة دى تبقا دولة، ومحدش أبدا ممكن يتصور إنه فيه سبب يخليه يضيع الدولة).
ولأنه مقاتل مصرى من طراز رفيع وأفنى زهرة حياته فى صفوف القوات المسلحة وتمتع بكفاءة قتالية وفكر استراتيجى عميق، فقد أشار فى دلالة واضحة على كفاءة المقاتل المصرى فى ساحات الحرب على الإرهاب قائلا: ليس خافيا على أحد أن العالم قد شهد خلال العقد الأخير أحداثا جسام غيرت مسار دول كانت تنعم بالأمن والاستقرار، مما أحدث جرحا غائرا فى صدر مفهوم الدولة الوطنية من الصعب أن يلتئم أو تعود تلك الدول إلى سابق عهدها فى المستقبل القريب، وكانت المنطقة التى نعيش فيها هى بؤرة كل هذه الأحداث، فاندلعت شرارة التخريب والتدمير، وانتهكت سيادة تلك الدول، وأصبح قرارها الوطنى يتخذه غيرها، وقد فطنت مصر لكل هذه الأحداث والتطورات، فبنت سياجا متينا من القوة والوعى والإدراك، حصنت به شعبها، بدعم من جيشها صاحب العقيدة الوطنية.
والتاريخ المصرى العريق يشهد منذ فجره الأول نماذج لشهداء أفنوا حياتهم فى سبيل أوطانهم، فبحسب الخبير الأثرى أحمد عامر، مفتش الآثار بوزارة السياحة والآثار، بدأ حكام مصر فى الأسرة الـ17 تحت قيادة الملك (سقنن -رع)، فى مقاومة احتلال الهكسوس، ولعل القتال الحقيقى ضد الهكسوس بدأ فى عهد الملك (سقنن - رع) والد القائد العظيم أحمس الذى قادت جيوشه أمه الملكة (إيا حتب) أعظم عسكرية فى التاريخ النسائى العالمى، ويعتبر أول ملك حارب هؤلاء المحتلين، حيث وجدت وثيقة على شكل قصة، عرفت بـ(بردية سالييه) تنسب إلى عصر الملك (سقنن-رع)، أخبرتنا عن كيفية بدء الخلاف بين ملك الهكسوس (أبو فيس) والملك (سقنن - رع)، حيث أرسل الأول من (أواريس) عاصمة الهكسوس، رسالة إلى الأخير يُخبره فيها أن (أصوات فرس النهر تُزعجه).
وخاض الملك (سقنن - رع) ببسالة أول حروب التحرير، حين كان أميرًا لطيبة، بالرغم من عدم انتصاره فى معركة التحرير ضد الهكسوس، حيث تم العثور على مومياه، وقد ظهر واضحا أن الهكسوس قيدوا يديه، وأجهزوا عليه بضربات عدة، كما ظهرت جروحا عديدة فى الرأس، كان سببها (بلطة) مما تدل على أنه (سقط صريعا فى ساحة المعركة)، وبذلك يعتبر (سقنن-رع) هو (أول ملك شهيد سقط فى معركة تحرير أرض).
ولأنه أنه مصرى حتى النخاع فلهذا السبب وغيره من أسباب أكد الرئيس على عظمة الجيش المصرى قال الرئيس: إنى إذ أبعث من هنا بتحية إجلال وتقدير إلى رجال القوات المسلحة البواسل على اختلاف رتبهم ودرجاتهم لما يحملونه من شرف الحفاظ على مقدرات ومكتسبات الوطن، كما أوجه تحية إجلال وتقدير أيضا إلى رجال الشرطة المخلصين على حفظهم لأمن مصر الداخلى وتوفير البيئة الملائمة للاستقرار حتى تتمكن باقى أجهزة ومؤسسات الدولة من أداء دورها المنوطة به، ولم ينسى الرئيس توجيه تحية لجيش مصر الأبيض قائلا: كما لا يمكننى هنا، ونحن نتحدث عن تضحيات أبناء الوطن جميعا أن أغفل الدور الكبير والمتعاظم الذى يؤديه بكل تفان وإخلاص أبناؤنا الذين يعملون فى المجال الطبى لمحاربة وباء فيروس كورونا، فما يقوم به هؤلاء الأبطال من جهد كبير لتوفير الراحة والطمأنينة للمرضى سيبقى خالدا فى ذاكرة شعبنا.. تحية إجلال وإكبار، وتعظيم سلام لكل شهداء مصر على مر التاريخ وحتى اليوم.
وإن أردنا أن نتحلى بالحماسة علينا أن نتعلم منهم دوما، وأن نأخذ منهم العزم والإصرار على التقدم فى الحياة بحسب العرض المسرحى الرائع، الذى تزامن مع غناء كل من (على الحجار، وبهاء سلطان، وتخصيص إذاعة الأغاني) يوما كاملا من الغناء فى ذكراه العطرة، إن هذا التزامن فى الاحتفاء باليوم الوطنى مع الاحتفاء بيوم الشهيد ليعكس مكانة الشهيد فى رفعة الوطن ومجده، ويخلد بذلك ذكرى كل شهيد فى ذاكرة الوطن وأبنائه جيلا بعد جيل، ويؤكد بأن الشهيد هو درع الوطن الحامى، وبأن تضحيات جنودنا البواسل محل تقدير الوطن أبد الدهر.
سيظل الشهيد يعلمنا أن نقدم كل ما نستطيع للوطن، لأنه بستان من زهور وأشجار مثمرة، ولديه الكثير من المجد ليقدمه لأبناء شعبه دون أن ينقص من مجده شيئا، للشهداء مرتبة عظيمة تحدثت عنها الآيات الكريمة فى القرآن الكريم، وليس أجمل من وصف الله تعالى فى قوله: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، فالشهيد يضع روحه فى راحة كفه ويمضي؛ لهذا كل السلام والحب لروح الشهيد، فالشهيد أخ للجميع ومصدر فخارٍ للوطن بأكملهولا يخلو بيت أو عائلة مصرية من شهيد مضى ليصنع المعجزة فى بناء هذه الأم، ومهما قلنا عنه من كلمات لن نوفيه حقه أبدا، لأن الأوطان وحريتها واستقلالها تقوم على دماء الشهداء الأكارم الذين يمنحون الحياة لغيرهم بكل حب دون تراجع أو استسلام.. طوبى لهم فى جنات النعيم، ورزقنا الله الشهادة.
وفى النهاية يبقى واجبنا دوما فى الغناء والدراما أن نعلى من مرتبة الشهيد فى نفوسنا ونفوس أبنائنا، وأن نزين لهم أهمية الدفاع عن الحق والوطن وكلمة الله فى أعمال درامية تليق ببذل عطائهم الذى لاينضب؛ لهذا لابد أن تراودنا أنفسنا دوما أن نكون مكان الشهيد الذى منحنا الحرية وجعل لنا كيانا ننتمى إليه، وقدوتنا فى هذا الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم - الذين كانوا يستبسلون فى المعارك ويتمنون أن ينالوا الشهادة فى سبيل الله دون تفكير، لأنهم يعرفون جيدا المنزلة العظيمة.. هنيئا للشهداء الذين ارتفع قدرهم فى الدنيا والآخرة، فالموت الذى ينتظره الجميع لا يعد موتا بالنسبة للشهيد؛ لأن الشهداء ترفرف أرواحهم فى جنات عرضها السماوات والأرض مع أول دفقة من دمائهم الزكية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة