صدر هذا الشهر المجلد 23 لعدد يناير 2022 من مجلة الاتحاد العام للآثاريين العرب وتضمن دراسة أثرية مهمة تكشف عن نقوش صخرية جديدة بوادى الزرانيق وجبل الجنة بجنوب سيناء، بعنوان "موقعان للنقوش الصخرية والنواميس غير المنشورة بشبه جزيرة سيناء بعنوان "وادي الزرانيق" ومنطقة جبل الجُنة"، للباحثين الدكتور محمد جلال محمود المدرس بقسم آثار شبه الجزيرة العربية كلية الآثار والإرشاد السياحي، جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا والدكتور خالد سعد مصطفي مدير عام الإدارة العامة لآثار ما قبل التاريخ بوزارة السياحة والآثار.
وصرح الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير المكتب الإعلامى للمجلس العربى للاتحاد العام للآثاريين العرب بأن الدراسة تكشف عن نقوش صخرية مؤرخة لفترات زمنية مختلفة بموقع "وادي الزرانيق" ومنطقة جبل الجُنة بجنوب سيناء، والذي يحوي مجموعة من النواميس المكتشفة حديثًا والمؤرخة بالعصر الحجري الحديث، وهذان الموقعان استكمالًا لمجموعة المواقع التي تم الكشف عنها مؤخرًا في جنوب سيناء(عام 2020م) على بعد حوإلى 30 كم من منطقة سانت كاترين في اتجاة طريق "وادي سعال" وتمت دراستها دراسة وصفية تأريخية ودلالية من الناحية العلمية والأكاديمية، منها ذلك الكهف الأثري كهف "طور مِحَنًيَ" الذي تم الكشف عنه بمعرفة أحد رواد السفاري يدعي (سامر صمويل) ومنطقة الفرش وواديا الرحايا، حيث تم نشر ثلاثة منها من قبل نشرًا علميًا موثقًا ضمن فعاليات المؤتمر الدولي الثالث والعشرين للاتحاد العام للآثاريين العرب.
وأضاف الدكتور ريحان أن موقع وادي الزرانيق يحوي تصنيفات من أهم وأندر النقوش الصخرية بشبه جزيرة سيناء سواءً تلك المؤرخة لفترة العصر الحجري الحديث أو المؤرخة بعصور زمنية لاحقة، بجانب مواقع "كهف طور محني"، ومنطقة "الفرش" و"وادي الرحايا"، لتنضم ضمن قوائم مواقع الرسوم والنقوش الصخرية المكتشفة حديثًا في مصر والتي يجب إدراجها كمواقع تراث عالمي لقيمتها العالمية الاستثنائية، وقد أدرج الفن الصخري الثقافي في منطقة حمى الثقافية بنجران بالسعودية تراث عالمى باليونسكو مؤخرًا.
ولفت الدكتور ريحان إلى أن الدراسة أشارت إلى تميز نقوش "وادي الزرانيق" بأسلوب النقر والحز والتهشير و يمثل الوادي مسرحًا تاريخيًا لفترات زمنية متعددة تسرد العديد من الملامح التاريخية لمناظر الصيد البري ومناظر الحرب باستخدام الجمال والخيول ومناظر القتال باستخدام أنواع مختلفة من الأسلحة والدروع إلى جانب مناظر الرحلات التجارية وتؤرخ لفترات تاريخية متنوعة، حيث استمر استخدام هذا الوادي كمستقر ومعبر حتى العصر الإسلامي، أمّا الموقع الثاني فهو موقع جبل الجُنة الذي يمر عبر طريق وادي سعال شمال شرق مدينة "سانت كاترين" والذي تم الكشف فيه عن مجموعة نواميس جديدة لم يتم الكشف عنها من قبل ومقارنتها بنواميس عين حُضرة وجبل السربال ووادي سلاف ووادي حبران لإستبيان الفرق بينهما.
ونوه الدكتور ريحان إلى أن وادى الزرانيق كان معبرًا ومسارًا من مسارات القوافل القديمة والحجيج وحديثًا مسرحًا لسباق الهجن للسكان المحليين والقدامى، ويمتد بمحور شمال شرق جنوب غرب ويبلغ أقصى اتساع له 200م، ويتميز الموقع بوجود ثلاث نقاط متقطعة تنتشر فيها العديد من النقوش الصخرية غير المسبوقة، والتي تمثل فواصل المراحل الحضارية لهذه الفترات الزمنية مثل العلامات الدالة على ممارسة الفلك في الصحراء، وكذلك النقوش الصخرية التي تمثل الطقوس المحلية لسكان الوادي مثل نقوش بصمات الأقدام والأكف والتي ارتبطت عقائديًا بذات السكان المحليين، والنقوش المصاحبة والمحيطة بالكتابات النبطية والتي أطلقت عليها الدراسة اصطلاحًا "نقوش الاتصال الجسدي" الفريدة من نوعها.
ويوضح الدكتور محمد جلال محمود المدرس بقسم آثار شبه الجزيرة العربية كلية الآثار والإرشاد السياحي أن أهمية كشف نقوش وادى الزرانيق تكمن فى انتشار أقدم أنماط النقوش الصخرية التي تسمي النقوش الدقيقة والتي تم تنفيذها بإستخدام أدوات العصر الحجري الحديث، والتي تختلف تمامًا عن تنفيذ النقوش في العصر النبطي أو الإسلامي والتي ظهرت بكثرة في الموقع، كما وجدت العديد من النقوش الصخرية المتعددة لحيوانات نفذت بطريقة (الرليف) التي ربما ترجع إلى فترة العصر العتيق والدولة القديمة والتى تكشف عن مواطن تواجد هذه الأنواع من الحيوانات مثل الكباش والوعول والتيتل والكبش الأروي والماعز الجبلي.
ويضيف الدكتور محمد جلال محمود أن موضوعات الفنون الصخرية بمنطقة وادي الزرانيق والتى تؤرخ من فترة ما قبل التاريخ متعددة منها نقوش بصمة اليد والقدم وهى مظهر أثري موجود في معظم الكهوف العالمية مثل كهف لاسكو وكف ألتاميرا وكهف باتاجونيا وكهف وادي صورا وكهف الأبيض وكهف دي لاس مانوس "ماتوس""كهف الكفوف" بالأرجنتين، كما انتشرت في الوادي النقوش الصخرية ذات الهيئة الحيوانية منها حيوانات "الأيائل" تسير في مسار واحد نفذت بطريقة الحز والتهشير وقد أبدع الفنان في إظهار صفاتها التشريحية ونقوش الاتصال الجسدي وهى مجموعة نقوش لم تظهر من قبل في أي موقع حتى الآن أطلقت عليها الدراسة هذا الإسم نظرًا لوضعية تصوير الأشخاص في تلك المناظر وتتضمن كتابات نبطية محيطة بها ومجاورة لها وأشكالها عبارة عن شخصين يتصلان من أسفل الجسد "الجزء السفلي" بنوع من أنواع "الأقطاب الخشبية؟" ويتكرر المنظر لنفس الهيئة المتصلة جسديًا وتفسيرها ربما يدلل على قتل مجموعة من الأسرى؟ أو منظر متعلق بالأسرى والتفسير الثاني ربما يكون منظر "طقسي"؟ الغرض منه لطرد الشياطين، وربما نوع من أنواع العقاب الجسدي وذلك لوجود أحد الأشخاص في منظر مماثل بنفس المكان يمسك بيده "سوط".
ومن جانبه يشير الدكتور خالد سعد مصطفي مدير عام الإدارة العامة لآثار ما قبل التاريخ بوزارة السياحة والآثار إلى نوعية نقوش أخرى بوادى الزرانيق يطلق عليها نقوش الخرائط أو "مسارات الطرق" تمثل أشكالًا متقاطعة ومتعرجة بشكل غير منتظم والنقوش الفلكية لارتباطها ببعض مظاهر تحديد الظل وظهور قرص الشمس ووجود مناظر مماثلة لها في بعض مواقع عصور ما قبل التاريخ بمصر كدائرة الساعة الشمسية بمنطقة نبتا بلايا بالصحراء الغربية
وينوه الدكتور خالد سعد مصطفي إلى أهمية النواميس المكتشفة بجبل الجُنة وهى مدافن العصر الحجري النحاسي 4500 ق.م وتميزت ببناؤها بنفس الطريقة التي بُنيت بها نواميس عين حُضرة وكانت تبني باستخدام شرائح الحجر الرملي لعمل مبانى دائرية المسقفة أحيانًا بالطريقة الدائرية والتي يكتنفها مدخل من ناحية الغرب في المعتاد ووجود الجدران الواحدة أما نواميس جبل السربال وجبل سلاف ووادي حبران فقد تميزت بوجود نمطين مختلفين حيث يوجد في وادي سلاف نماذج النواميس ذات الجدران السميكة، وتوجد في حبران النواميس ذات الجدران الواحدة، وتوجد في حلايب وشلاتين نواميس ذات الجدران السميكة، وهنا تتميز نوعية البناء التي تختلف من مكان إلى آخر.
وأوصت الدراسة بإيجاد وسائل عاجلة لحماية هذه النقوش والحفاظ عليها وضرورة استكمال أعمال المسح الأثري بمنطقة جبل الجُنة الواعدة للكشف عن مزيد من النواميس غير المسجلة حيث تُعد تلك المنطقة الجبلية متحفًا مفتوحًا للنواميس تم نشر بعضها سابقًا ونشر مجموعة أخرى في تلك الدراسة ومازالت تحوي الكثير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة