اطلعت مؤخرا على كتاب مهم جدا للمفكر الجزائرى مالك بن نبى (1905- 1973)، والكتاب عنوانه "شروط النهضة"، كتبه مالك بن نبى فى أربعينيات القرن الماضى، لكنه عاد وأضاف إليه ونقح فيه بعد ذلك، وهو كتاب مهم جدًا، نتفق مع معظمه ونختلف مع أقله، وأهميته تكمن من رؤيته التى انطلق منها.
يقول مالك بن نبى فى الكتاب إن الحضارات تنشأ إذا ما توفرت لها ثلاثة عناصر مهمة هى (الإنسان والتراب والوقت)، ثم يخوض ويشرح فى هذه العناصر كى نفهمها ونعرفها، لكن ما استوقفنى فى الكتاب ثلاث ملاحظات مهمة، الأولى أنه فى بحثه عن الحضارة لم يتخل عن "الخصوصية"، بل رأى أن الخصوصية هى أصل النهوض والحضارة، وأن التقليد للآخرين لن يجلب سوى المشاكل ومزيد من المشاكل، والملاحظة الثانية أنه علينا أن نبدأ العمل كى نصل إلى الحضارة، فالحضارة تمر بمراحل معينة أهمها البدء، أى أنها لا تحدث فجأة، لن نستيقظ يوما لنجد أننا أصبحنا أهل حضارة، إنها أمر تراكمى يحدث بالعمل المتواصل، وربما الجيل الذى يبدأ لن يجنى شيئا من الثمار، بل الأجيال المقبلة هى التى ستحصد ما زرعناه، وهذه الملاحظة على بساطتها مهمة جدا لأنها تقتضى وعيا بما نفعله وتقنضى رؤية مستقبلية.
الملاحظة الثالثة، والتى من أجلها أكتب هذه المقالة، أن مالك بن نبى ذهب فى الكتاب إلى أن الحضارة تتشكل من القدرة على الإنتاج وليس من استيراد المنتجات، بمعنى أننا عندما نستورد المنتجات من بلد آخر فإن ذلك لا يعنى أننا أصبحا أصحاب حضارة، بل إننا مجرد مستهلكين لحضارات الآخرين، لكن الحضارة هى التى تملك القدرة على الإنتاج، وهذا الأمر مهم لأن الكثيرين ينخدعون فيظنون أن توافر المنتجات معناه أن الحضارة تحققت، نقول لهم لا، بل هم صاروا "سوقا" للآخرين.
أقول إن هذا الكتاب مهم، وقد يراه البعض تراثا، خاصة أن صاحبه رحل من نحو 50 عاما، لكنه كتاب مهم فعلا ليتنا نطلع عليه وننقده، فنأخذ منه ما يصلح لحالنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة