لم يكن عبثًا أن يوحى الله سبحانه وتعالى لنبيه، فيقول صلى الله عليه وسلم: "مثل القائم فى حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا فى نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا.
هذا الحديث يصور حال المجتمع الذى يركب سفينة واحدة، وقد تقع كارثة إذا عمد إليها سفيه وخرقها، ذلك لأنه لن يغرق وحده فحسب، بل سيغرق من معه فى السفينة كلهم، فيوجه المربى الأكبر النبى محمد صلى الله عليه وسلم، قائد السفينة والمدافع عنها أن ينهى هذا السفيه عن الإقدام على خرق السفينة ومن ثم المحافظة على من فيها.
وكأن والله، هذا الحديث قيل فينا نحن، ولعصرنا الذى نحياه الآن، فالحديث يصور حال مجتمعنا على المستويين الكبير والصغير، فالكبير يشمل العالم أجمع بمجتمعاته الكبيرة الضخمة، والصغير يشمل الأسرة الواحدة، المكونة من أب وأم وأبناء، والتى منها ينبثق المجتمع الأكبر، ومنها يكون المجتمع صالحا أو طالحا.
وهمى الأول ذلك المجتمع الصغير، وأبدأ حديثى معك أيها القائم على حدود أسرتك، ولمَ لا، وأنت القائد وباقى أسرتك لك تُبَّع، يسيرون كما تسير، وينفذون خُططك التى خططت لهم، ليسلموا ويعيشوا حياة طيبة، فيأكلون كما علمتهم أنت وزوجتك أن يأكلوا ويشربون كذلك، يتحدثون بالطريقة التى فطرتهم عليها، فينطقون كما ينطق لسانك، ويستخدمون الألفاظ ذاتها التى تستخدم، فإن رأيت أحدهم يتلفظ بما لا تتلفظ أنت به، وجب عليك تنبيههم بل وتعنيفهم بألا يستخدمون هذه الكلمات وتلك الألفاظ، فيفرقون بين حسن الكلام وقبيحه، ويعرفون أن هناك أبا قائما لن يترك كلمة، "مجرد كلمة" دون حساب، وجب عليك أيها الأب وأيتها الأم أن تستبدلا الحسن بالسيئ وذلك على كل المستويات، فيتعلم النشءُ كيفية انتقاء الكلمات فلا يستخدم إلا الحسن منها.
أخى الأب أختى الأم.. لا تكونا فى مركب غير المركب التى تقل أولادكما، فجميعنا فى المركب نفسها، فتنشغل أنت بعمل أو بسفر أو تنشغلى أنت بعملك أو بهاتفك واحتياجاتك ومطبخك عن أولادكما، فإن لم أدخر وقتا بل كل وقتى لأولادى، فإلى من أدخر وقتى!؟ وإن لم أربى أنا ولدى على الأخلاق الحميدة، فمن سيربيه عليها!؟ من يعلمه كيفية الحديث مع الكبير، فيقول حضرتك لمن هو أكبر منه سنا، ويجيبه "حاضر" باقتناع، فإن لم يقتنع فيرفض برفق ولين وأدب، فيكون حاز أخلاق وآداب وفن الحديث مع الكبير، لا سيما معلمه، هذا الملعم الذى قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقى "قف للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا"، فهكذا يقرب الشاعر التشبيه، فيحسنا جميعا على احترام المعلم شبيه الرسول، فالأول يعمل على نشر العلم بينهم وما زال، والثانى أتمَّ رسالته أولا فوصل رسالة الله إلى عباده.
أخى الأب أختى الأم.. لا تتركا أبناءكما لأصدقاء السوء فيشكلون أخلاقهم ويأثرون فيهم، وذلك بمصاحبة الأبناء ومعرفة أصدقائهم من خلال حديث الأولاد عنهم، طالبوهم برفق وبحب أن يشاركوكما فى كل أمر، فلا يفكرون فى تقليد أعمى كالذى حدث مع لعبة تشارلى مثلا، بل ويثقون بأنه لن يؤذيهم أحدهم وذلك بالابتعاد عنهم أولا، ثم بتجنب هذه الهواجس وتلك الأفعال الردئية، اشتركوا لهم بأحد النوادى، فيمارسون أى رياضة شاءوا، فيخرجون طاقاتهم الجمة فيما هو مفيد.
أخى الأب أختى الأم.. لا تتركا أولادكما للغير يربونهم.. وتذكروا قول الله جل وعلى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة