ترتبط مصر وسلطنة عُمان بعلاقات دبلوماسية، تاريخية متميزة تمتد لأكثر من 50 عاماً، أرسى دعائمها المغفور له السلطان قابوس بن سعيد «طيب الله ثراه»، إيماناً منه بمكانة مصر ودورها المحوري في المنطقة.
وتاريخ العلاقات العمانية المصرية راسخ ومتواصل وثابت منذ أكثر من ٣٥٠٠ عام، حين كان التواصل الحضاري ممتدا بين العمانيين والأسر الفرعونية، ولعب اللبان العماني الشهير كسلعة استراتيجية دورا محوريا في ذلك التواصل الحضاري الفريد، واستمر ذلك التواصل في العصر الحديث بين القاهرة ومسقط، وهناك عدة محطات مهمة أثبتت صلابة هذه العلاقات ورسوخها.
ولعل وقوف سلطنة عمان مع مصر أثناء عملية السلام بين مصر وإسرائيل عام ١٩٧٩، والتي نتج عنها استعادة مصر لبقية أرضها في سيناء هو من أكثر المواقف السياسية المشهودة بين سلطنة عمان وجمهورية مصر العربية. ولا يزال الشعب المصري يتذكر بكل التقدير والاحترام الموقف المشهود للقيادة العمانية آنذاك، حيث كان القرار التاريخي للمغفور له السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله- وتواصل هذا الانسجام والنهج السياسي في عهد النهضة المتجددة التي يقودها بحكمة واقتدار جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- ولعل زيارة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي لسلطنة عمان ولقائه المثمر مع جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- والنتائج المهمة على صعيد الملفات السياسية والاقتصادية، حيث توافق الرؤى العمانية والمصرية في كل القضايا التي تهم المنطقة والعالم العربي، كما أن التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية بين البلدين يعطي مؤشرًا على توافق الرؤيتين: عمان ٢٠٤٠ ومصر ٢٠٣٠.
وفي 18 نوفمبر من كل عام، تحتفل سلطنة عُمان بعيدها الوطني المجيد، وها هي تحتفل هذه الأيام بالذكرى الـ 52 للعيد الوطني، في ظل طفرة تنموية مذهلة، وبنية تحتية راسخة، ونظام تعليمي متاح للجميع، ومستشفيات عالية الجودة، واستراتيجيات تنموية ذات أهداف طويلة المدى، كل تلك الإنجازات حصيلة قيادة محنكة، أطلق شرارتها ورعاها لعقود السلطان الراحل قابوس بن سعيد مؤسس نهضة عُمان الحديثة، والآن يكمل خليفته صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه -، المسيرة المظفرة، وهو صاحب رؤية عُمان 2040 المتجددة، وشهادة موثقة على صمود العُمانيين وعملهم الجاد.
في هذا السياق، تحتفل سفارة سلطنة عمان بالقاهرة والسفارة المصرية في مسقط ،بمناسبة مرور 50 عاما على إقامة وتأسيس العلاقات الدبلوماسية المتميزة التي تربط بين البلدين الشقيقين على كافة المستويات وفي جميع المجالات.
ومع احتفال عُمان بالعيد الوطني الــ 52، أجدني استرجع بكل فخر شريط ذكرياتي في هذا البلد الطيب، وكيف كان خوفي وترددي من فكرة السفر للخارج، وبمجرد أن وطئت قدماى أرض سلطنة عمان في عام 1994م، تلاشت مخاوفي تمام بل وتحولت إلى طاقة إيجابية مملوءة بالسكينة، فالمشاعر الطيبة التي أحسست بها وملأت صدري، بدأت منذ الوهلة الأولى بالتعامل الراقي من الجميع، والترحيب والابتسامة تعلو الوجوه، تأكدت وقتها أنني أتعامل مع شعب راق، وهذا الرقي ليس تصنعاً، إنما ينبع من تربية تمتد من الأسرة وأخلاق القبيلة وطبيعة الشعب الطيب، ووجدت الإنسان العُماني يحتفظ بالمبادئ الأخلاقية، ويحترم العادات والتقاليد، على خلاف ما طرأ من تغيرات في مجتمعاتنا العربية.
حين تتجول في شوارع عُمان لن تسمع أبواق السيارات إلا نادراً، وإذا تجولت في أسواقها لن تجد الجدال الطويل بين البائع والمشتري.
والنقطة الأهم، التي ربما لا يعرفها إلا من عاش وسط هذا الشعب المضياف، هي تقبله المذهل للآخر، أيا كانت أيدلوجياته ومعتقداته، مما يثير الدهشة، وأرى أنه يجب أن تُدرس تلك الصفات، في زمن تغيرت فيه المبادئ والأخلاقيات، فنحن نخالط شعبا يجمع بين أخلاقه الدينية التي تربى عليها، والارتقاء بالعلم والثقافة، من دون التنازل عن أسلوب حياته الهادىء والرصين، ويكفي أن افتخاره بعروبته وعاداته وتقاليده، تعد من المسلمات التي لا نقاش فيها ولا جدال،
وبحكم تجربتي في عمان وعملي في المجال الإعلامي، تابعت منذ البداية ما قامت به السلطنة على العديد من المستويات ورأيت فيه نموذجاً يحتذى به.
وما يلفت الانتباه حقا في ظل ما يسود العالم من مشاحنات وحروب، إلا أنك ترى الرقي والأخوة في علاقات عُمان مع الأشقاء والأصدقاء، وتجلى ذلك منذ البداية في إدارتها لعلاقاتها مع دول العالم بأسلوب حضاري تتميز به عمان يقوم على الصراحة والوضوح.
لقد شاهدت الرغبة الحقيقية في تحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة والحوار الايجابي، كسبيل للوصول إلى أقصى درجة ممكنة من الاتفاق، وتجاوز أية خلافات بالطرق السلمية وتوظيف العلاقات الخارجية لخدمة التنمية.
ورأيت ماذا قدمت السلطنة لأشقائها وأصدقائها، وكيف كانت ومازالت تبنى جسور المودة ومعابر الخير ونقاط التواصل بين الشعب العُماني وكل الأشقاء والأصدقاء. خاصة علاقاتها القوية مع مصر قيادة وشعبا، كما تتميز العلاقات العمانية بحسن الجوار مع أشقائها في دول الخليج حتى أن علاقاتها مع المملكة العربية السعودية على سبيل المثال تُعد نموذجاً متميزاً في الرصانة والقوة والروابط والقواسم المشتركة، في مقدمتها الدين والحوار واللغة، والمصير الواحد القائم على تحقيق تكامل الرؤى بين البلدين للتعامل مع الحاضر وبناء المستقبل، ولهذا حرصت المملكة على مشاركة أشقائها في سلطنة عُمان احتفالاتهم بذكرى العيد الوطني الثاني والخمسين للنهضة العمانية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة