رياضة من أجل المناخ.. الذهاب إلى عصر "التنافس الأخضر".. ما هى أبرز الرياضات المتأثرة بالتغيرات المناخية؟.. وهل يلتزم المجتمع الرياضى بتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة؟.. وسباق "صافى الصفر" يضم 733 مدينة

الثلاثاء، 04 أكتوبر 2022 01:00 م
رياضة من أجل المناخ.. الذهاب إلى عصر "التنافس الأخضر".. ما هى أبرز الرياضات المتأثرة بالتغيرات المناخية؟.. وهل يلتزم المجتمع الرياضى بتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة؟.. وسباق "صافى الصفر" يضم 733 مدينة التغير المناخى
كتبت أسماء نصار

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

على مدار سنوات طويلة تصاعد الحديث عن التغيرات المناخية وآثارها السلبية على كل المجالات والأنشطة البشرية، بسبب التطرف فى درجات الحرارة، وعندما رُبط المصطلح بالرياضة أثار استغراب كثيرين، ودفعهم إلى التساؤل عن طبيعة العلاقة بين الظواهر الجوية وأنشطة الرياضة، فردية كانت أو جماعية مثل ألعاب الشواطئ وماراثونات الجرى والسباحة وكرة القدم.

تمثل الرياضة شغفا لأغلب البشر، ويراها كثيرون مؤثرا قويا فى توجهات مجتمعات ودول، من زاوية أنها مصدر دخل رئيسى لبعض الاقتصادات، ولديها قوة دفع قادرة على تغيير سياسات، فضلا عن أثرها الاجتماعى وما يتصل بمنظومة القيم، وكونها نشاطا لا يتطلب الانخراط فيه إلا رغبة شخصية. لكن بالنظر إلى قضية المناخ هناك تساؤل مهم بشأن احتمالية أن نكون مجبرين يوما على تبديل عاداتنا الرياضية جذريا، أو الاستغناء عن أنماط ممارسة بعينها، وهو ما حدث بالفعل فى واحدة من أهم الرياضات الشعبية، كرة القدم، إذ تسبب الارتفاع المتزايد لحرارة الأرض فى تقليل فترات التدريب النهارية، ومحليا طالب مسؤولو هيئة استاد القاهرة اتحاد الكرة بإنهاء المباريات المقامة بالملعب فى العاشرة مساء، التزاما بقرارات الحكومة بشأن ترشيد استهلاك الطاقة.

وهناك اعتراف متزايد بالعلاقة بين الرياضة وتغير المناخ، إذ إنها تؤثر على الملف وتتأثر به، رغم أن تأثير المنظمات الرياضية على المناخ مُعقد ويصعب قياسه، فمن المُسلّم به على نطاق واسع أن الممارسات غير المستدامة فى الرياضة ساهمت بشكل أكبر فى تغير المناخ. وبحسب تقرير Rapid Transition Alliance فإن قطاع الرياضة العالمى يساهم بمستوى انبعاثات يماثل دولة متوسطة الحجم، وتلعب البصمة الكربونية للأماكن الرياضية وسلاسل توريد معداتها دورا مهما فى التأثير على مناخ العالم. وعلى سبيل المثال تشير تقديرات إلى أن أولمبياد "ريو 2016" أطلقت 3.6 مليون طن ثانى أكسيد كربون، وأطلقت كأس العالم 2018 فى روسيا 2.16 مليون طن، بينما يُنظر إلى تلك التقييمات بقدر أكبر من القلق لأنها غالبا ما تقلل من التأثير الحقيقى للبصمة الكربونية للرياضة، فلا تشمل مثالا تأثير بناء الملاعب الجديدة والمياه والطاقة المستهلكة لدعم الأحداث والأغذية والبلاستيك والنفايات الأخرى.

ويتأثر قطاع الرياضة بشكل دورى بعواقب ارتفاع الحرارة، فتؤدى غزارة الأمطار وارتفاع سطح البحر وزيادة الظواهر الجوية إلى عواقب مدمرة للقطاع، وبحسب دراسة حديثة فمن المحتمل ألا تتمكن قرابة نصف المدن المضيفة للأولمبياد الشتوية السابقة من رعاية الألعاب الشتوية بحلول 2050، وذلك بسبب نقص الجليد فى عالم يزداد احترارًا.

فى 2018 أجبرت درجات الحرارة المرتفعة منظمى بطولة التنس المفتوحة فى الولايات المتحدة على تقديم "استراحة" للرياضيين، وأجبرت جودة الهواء الرديئة الناجمة عن حرائق الغابات بعض لاعبى بطولة أستراليا المفتوحة للتنس 2020 على الانسحاب، وبحلول 2050 يُتوقع أن تغمر المياه قرابة ربع ملاعب إنجلترا لكرة القدم، وهذه مجرد أمثلة على آثار تحولات المناخ على صعيد الرياضة. ومن المحتمل أيضا أن يكون التأثير على الأحداث المحلية الأصغر حجما أكبر كثيرا، من اتحادات الشباب إلى الفرق الجماعية، فقد واجه ملايين الرياضيين بالفعل اضطرابات مناخية ربما تتضخم مع مرور الوقت، وهكذا يبدو من حجم الأزمة أنه يتعين على كل دولة وقطاع أن يكون لها دور فى اقتراح الحلول، وأن يرتقى الرياضيون إلى مستوى التحدى.

 دور الرياضة فى مكافحة تغير المناخ

الرياضة أحد المساهمين والمصابين من ظاهرة الاحتباس الحرارى، كما أن لها وضعا فريدا يسمح بأن تكون جزءا من الحل، أولا لأن منصتها الاجتماعية الواسعة تجعلها أداة استراتيجية للتأثير على مواقف الناس، فيمتد انتشارها إلى كل المناطق الجغرافية والخلفيات الاجتماعية تقريبا، ويشارك ملايين الأفراد فيها إما بالمشاهدة أو الممارسة، وثانيا لأنه يمكن للرياضة أن تلعب دورا مهما فى التثقيف وزيادة الوعى تجاه ظاهرة الاحتباس الحرارى وقضايا البيئة بما فيها الترويج لنمط حياة صحى ومستدام. وكشفت دراسة أن المشجعين يتقبلون المبادرات البيئية ويشاركون فى جهود الحد من الآثار البيئية ليس فقط عند حضور الأحداث الرياضية، وإنما فى سلوكياتهم اليومية ومجتمعاتهم المحلية، لهذا يمكن أن تكون حملات الاستدامة البيئية المستهدفة أساسية وأن يكون الرياضيون قدوة لأنصارهم، عبر استخدام مكانتهم الاجتماعية فى تثقيف الأفراد والمجتمعات وتحفيزهم على تغيير أنماط حياتهم لتحسين الكوكب، يُضاف لذلك أنهم نشيطون بشكل متزايد فى الضغط من أجل العمل المناخى: عقب ذوبان سوتشى فى 2014 وقّع 105 لاعبين بالأولمبياد الشتوية عريضة تحث قادة العالم على معالجة ظاهرة الاحتباس الحرارى بمناسبة قمة تغير المناخ COP26، واجتمع أكثر من 50 من الأولمبيين والبارالمبيين العالميين من "طوكيو 2020" للدعوة إلى إجراءات طموحة من قادة العالم خلال القمة، وثالثا يتزايد الاعتراف بالرياضة كأداة منخفضة التكلفة وعالية التأثير للوصول إلى التنمية المستدامة، وأخيرا يمكن أن يكون لإدراج معايير الاستدامة فى صناعة الرياضة تأثير مضاعف بما يساهم فى معايير الإنتاج والاستهلاك المستدامة فى الصناعات الأخرى.

مبادرات على المستوى الدولى

خلال السنوات الأخيرة ظهر عدد متزايد من المبادرات العامة والخاصة، وطنيا ودوليا، فعلى المستوى الدولى وضعت اللجنة الأولمبية الدولية "IOC" استراتيجية الاستدامة شاملة العمل المناخى، بهدف تجاوز حياد الكربون وجعل الألعاب سلبية الكربون بحلول 2030، ولهذا وضعت خطة "النوايا الاستراتيجية" متضمنة الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى المباشرة وغير المباشرة، والتكيف مع عواقب تغير المناخ فى تخطيط المرافق والأحداث، كما بات يُعد الالتزام بالعمل المناخى أحد متطلبات المدن المرشحة لاستضافة الألعاب الأولمبية، وساهم ذلك فى الاستراتيجية الأخيرة للألعاب الأولمبية الصيفية "طوكيو 2020" التى تضمنت على سبيل المثال استخدام المبانى الموجودة مسبقا "كانت 60% من جميع المرافق الموجودة مسبقا"، واستخدام الطاقة المتجددة للألعاب وتنفيذ برنامج تعويض الكربون، واستضافت الألعاب العالمية الأولى للسكان الأصليين موائد مستديرة حول الاستدامة وتغير المناخ. وأطلق برنامج Connect4Climate التابع لمجموعة البنك الدولى مبادرة Sport4Climate إذ بدأ البرنامج بالتعاون مع Forum Das Americas، وهو عبارة عن حملة تواصل عالمية تعرض كيفية تعامل الرياضة مع ظاهرة الاحتباس الحرارى، وتشمل مبادراتها حملة "1.5 درجة مئوية: رقم قياسى يجب ألا نحطمه" التى أُطلقت فى 2016 بهدف زيادة الوعى لدى الجمهور الأوسع حول الهدف المحدد فى اتفاقية باريس.

المبادرات العامة على المستوى الوطنى

ويهدف الإطار المُطلق فى 2016 من قبل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وبعض الكيانات الرياضية الرائدة، إلى توفير إطار منهجى للمبادرات المتعددة والمجزأة الموجودة بالفعل كما تشجع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ المنظمات الرياضية على المساعدة فى تحقيق أهداف "اتفاق باريس"، وإجبار الموقعين على اتخاذ تدابير منهجية لتقليل انبعاثات الكربون والوصول إلى الحياد المناخى بحلول 2050، وشمل مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بتغير المناخ فى جلاسكو الإنجليزية، عديدا من الأنشطة الرياضية والمناخية، منها حلقة نقاش حول دور الرياضة فى العمل المناخى بمشاركة متحدثين رفيعى المستوى بغرض جعل الرياضة أكثر استدامة، إضافة لحلقة نقاش حول دور البث الرياضى فى المساعدة لمعالجة تغير المناخ، ويوم من الندوات التى تركز على الشباب حول الرياضة والعمل المناخى

على المستويات الوطنية، بدأت عدة دول فى التعامل مع الرياضة كأداة تصدٍّ لتغير المناخ وفى 2016 اتخذت الولايات المتحدة مبادرتين اتحاديتين بشأن القضية، أولا عقدت ورشة عمل تلاها تقرير عن المبانى الرياضية المستدامة، من أجل تحديد خارطة طريق لتصميم وبناء وتشغيل المرافق الرياضية الموفرة للطاقة، وفى 2017 و2018 أرسل قسم الدبلوماسية الرياضية بالخارجية الأمريكية، بالتعاون مع سفارات وقنصليات الولايات المتحدة حول العالم، مبعوثين رياضيين إلى الخارج للمشاركة مع الشباب فى أنشطة التوعية المجتمعية بشأن قضايا تشمل البيئة. وأواخر العام الماضى أُعلن عن عدّة أهداف بشأن خفض الانبعاثات، من قبل إطار العمل الرياضى من أجل المناخ "S4CA" التابع لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، وتشمل الوصول إلى صافى الصفر الكربونى بحلول 2040، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى بنسبة 50% بحلول 2030 على أبعد تقدير.

الإجراءات الموصى باتخاذها

يجب أن يلتزم المجتمع الرياضى بتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، المباشرة وغير المباشرة، واتخاذ إجراءات ملموسة مثل استخدام الطاقة المتجددة فقط، وبناء أماكن رياضية خالية من الكربون، كما ينبغى على الحكومات وضع أطر للسياسات والحوافز للرياضة المستدامة وتعزيز كفاءتها كأداة لزيادة الوعى بتغير المناخ، وعليها أيضًا بذل جهود لبناء القدرات بالتعاون مع المنظمات الدولية والجهات الفاعلة الوطنية الأخرى، وأن تتعاون مع المنظمات الدولية فى جمع بيانات قوية، لأن قياس انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى والإبلاغ عنها خطوات مهمة نحو تنفيذ "اتفاقية باريس"، إذ تحتاج التقديرات إلى تجاوز التقييمات الحالية ذات التركيز الضيق، وتضمين الطيف الأوسع لانبعاثات الكربون المتعلقة بالأحداث الرياضية. كما يتعين على الحكومات الوطنية والمنظمات الدولية أيضا إنشاء علاقات تعاون وشراكة عبر مختلف أصحاب المصلحة، بما فيها الحكومات المحلية والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية وخبراء العلوم والتكنولوجيا والابتكار ومنظمات المجتمع المدنى، لتعزيز الرياضة كأداة للعمل المناخى.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة