قمة عربية، تبدو مفصلية إلى حد بعيد، سوف تنطلق في مطلع نوفمبر المقبل، بدولة الجزائر، في ظل العديد من المستجدات الدولية والإقليمية، ناهيك عن الصراعات المتنامية، والتي تجاوزت، حد "التقليدية الإقليمية"، سواء في صورتها الدولية أو الأهلية، وإنما امتدت إلى نطاق أوسع، ليس فقط على المستوى العالمي، مع اندلاع الأزمة الأوكرانية، وإنما أيضا إلى نطاق الكوكب بأسره، في إطار ما سبق وأن أسميته في مقالات سابقة بـ"الصراع مع الطبيعة"، جراء تفاقم ظاهرة التغيرات المناخية، خاصة وأن الاجتماع المرتقب للقادة العرب، يسبق بأيام قليلة، قمة المناخ، في مدينة شرم الشيخ، وهو ما يضيف المزيد من الزخم لقمة الجزائر، والتي تحمل هدفا رئيسيا، يقوم في الأساس على تحقيق "سلسلة من التوافقات".
ولعل النهج التوافقي، الذى تسعى إليه القمة المرتقبة، يحمل العديد من المؤشرات، تعتمد الصيغة "التشاورية"، حيث تحركت الدول العربية، نحو عقد العديد من الاجتماعات الجماعية، التي تجاوزت اللقاءات الثنائية، سواء في إطار ثلاثي أو رباعي، وربما أكثر من ذلك، للتوافق على العديد من القضايا الملحة، والتي تتطلب موقفا موحدا، منها على سبيل المثال الاجتماع الخماسي الذي عقد في مدينة العلمين الجديدة، في أغسطس الماضي، لتكون تلك اللقاءات بمثابة "لبنة" مهمة، للبناء عليها، نحو توسيع دائرة التوافق العربي، في صورته الكلية، بينما تبنت جامعة الدول العربية، الصيغة نفسها، حيث باتت جزءً لا يتجزأ من كافة اجتماعات مجلسها، على مستوى وزراء الخارجية، من جانب، أو تخصيص اجتماع "تشاوري" لوزراء الخارجية العرب، خلال كل دورة من دورات المجلس، حيث يتم عقده في ضيافة الدولة التي تترأس المجلس، وهو ما يعكس التحرك الجماعي، عبر "بيت العرب"، لتحقيق "التوافق" في مختلف القضايا، من جانب أخر.
النهج التشاوري ربما لن يكون غائبا خلال فاعليات القمة، والتي ستشهد اجتماعا وزاريا، في إطار التحضير لها، بينما كان هناك مقترحا تداولته الجامعة العربية، ودولة الجزائر، باعتبارها الدولة المضيفة، لعقد قمة تشاورية، على هامش الاجتماع الرسمي خلال القمة العربية المرتقبة، وهو ما يعكس الاهتمام الكبير بتعزيز النهج "التشاوري"، لتحقيق أكبر قدر من التوافق في المرحلة المقبلة، وبالتالي تحييد الخلافات، أو تنحيتها جانبا، بهدف صياغة مواقف موحدة.
ويعد "التوافق" المستهدف، الذى تسعى القمة العربية، لبنائه، يعتمد على العديد من المحاور، ربما أبرزها القضايا الإقليمية، عبر التركيز على القضية الفلسطينية، وتعزيز صورتها باعتبارها قضية العرب الأولى، وهو الأمر الذي سعت العديد من القوى الدولية لتقويضه، عبر إغراق دول المنطقة في الفوضى خلال العقد الماضي دون جدوى، بالإضافة إلى التركيز على حماية الدولة الوطنية والحرب على الإرهاب، ومساندة الدول التي تعاني بسبب الصراعات والحروب، وهى الأمور التي تعد بمثابة "مشتركات" مهمة، خاصة بعد دروس "الربيع العربي"، والتي أثبتت "فيروسية" الفوضى، والتي تنتقل بسلاسة من دولة إلى أخرى، وبالتالي تبقى حماية الدولة لنفسها قائمة في الأساس على تحقيق قدر من الاستقرار الإقليمي.
ولم تقتصر حالة "التوافق" المنشود، على الحالة الإقليمية، وإنما تمتد إلى النطاق الدولي، بعد المستجدات الأخيرة على الساحة الأوكرانية، وارتباطها بالعديد من التداعيات، على رأسها قضايا أمن الغذاء والطاقة، والتي تحمل تأثيرات مباشرة على أمن منطقتنا، خاصة في دول الصراع، وهو ما يمثل ضرورة ملحة، لتبني موقف عربي توافقي تجاه القضية، وهو الأمر الذي بدا في مواقف الجامعة العربية، في الأشهر الماضية، عبر انفتاحها على جميع أطراف الأزمة، وسعيها نحو القيام بدور الوساطة، عبر لجنة الاتصال الوزارية، وهو الموقف الذى لاقى دعما كبيرا من قبل كافة الدول الأعضاء.
بينما تتجاوز حالة "التوافق" المرجوة، دائرة العالم، نحو الكوكب بأسره، عبر تحقيق "توافق عربي مناخي"، يستبق القمة المرتقبة في شرم الشيخ، في إطار الحالة الخلافية بين الدول حول مدى الالتزام بتقليص الانبعاثات الكربونية، وهو ما يثير الحاجة إلى تحقيق توافقات إقليمية، سواء على المستوى العربي أو القاري، لتعزيز المواقف المشتركة تجاه القضية "الكونية"، وبالتالي تمثل قمة الجزائر فرصة مناسبة للغاية سواء من حيث الزمان، أو الحدث، لتعزيز الحالة التوافقية في هذا الإطار.
وهنا يمكننا القول بأن قمة الجزائر المرتقبة، تمثل طريقا مهما نحو بناء "سلسلة من التوافقات" تشمل جانبا إقليميا، وأخر دوليا، ناهيك عن أخر مناخي، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لأهميتها في المرحلة المقبلة، بالإضافة إلى كونها امتدادا مهما للجهود المبذولة، سواء من قبل الجامعة العربية أو الدول الأعضاء لتحقيق أكبر قدر من التوافق مؤخرا، من أجل تعزيز المواقف العربية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة