كشف العلماء في شركة Cortical Labs، كيف تعلم عقل بشري نما في المختبر أن يلعب لعبة الفيديو الكلاسيكية Pong في خمس دقائق فقط، وتلقي هذه الدراسة ضوءا جديدا على كيفية عمل المادة الرمادية والبيضاء، ما يوفر الأمل في تطوير علاجات جديدة لمرض ألزهايمر والحالات العصبية الأخرى.
ووفقا لما ذكره موقع "RT"، تشير النتائج إلى أنه حتى خلايا الدماغ في طبق بتري يمكن أن تظهر ذكاء متأصلا، وتعديلا في سلوكها بمرور الوقت، ويحتوي العضو، المسمى DishBrain، على 800 ألف خلية عصبية تعيش وتعمل جميعها جنبا إلى جنب.
ويمكن لهذه الخلايا الدماغية أداء مهام موجهة نحو هدف واضح، في ما يشبه إلى حد بعيد الدماغ الحقيقي أكثر من الذكاء الصناعي، والذي يستغرق 90 دقيقة لمواجهة تحدي الكمبيوتر.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، الدكتور بريت كاجان، كبير المسؤولين العلميين لشركة Cortical Labs الناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية في ممفيس بولاية تينيسي: "أظهرنا أنه يمكننا التفاعل مع الخلايا العصبية البيولوجية الحية بطريقة تجبرها على تعديل نشاطها، ما يؤدي إلى شيء يشبه الذكاء".
ونمت هذه الخلايا في أطباق بتري فوق مصفوفات من الأقطاب الكهربائية الدقيقة التي يمكن تنشيطها لتحفيز الخلايا العصبية، وبالتالي توفير مدخلات حسية، تقوم بتحريك المضرب للخلف وللأمام وفقا لموقع الكرة.
بمعنى أن الأقطاب الكهربائية الدقيقة الموجودة على جانبي الطبق تشير إلى ما إذا كانت الكرة على يسار أو يمين المضرب، في حين أن تردد الإشارات ينقل مسافة الكرة.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة Cortical Labs، الدكتور هون ونغ تشونغ: "يقدم DishBrain نهجا أبسط لاختبار كيفية عمل الدماغ واكتساب نظرة ثاقبة للحالات المنهكة مثل الصرع والخرف".
وهذه المرة الأولى التي يتم فيها تحفيز مثل هذه الخلايا العصبية لأداء مهام موجهة نحو الهدف بطريقة منظمة وذات مغزى.
وعلق الدكتور كاجان: "في الماضي، تم تطوير نماذج للدماغ وفقا لكيفية اعتقاد علماء الكمبيوتر بأن الدماغ قد يعمل، ويعتمد ذلك عادة على فهمنا الحالي لتكنولوجيا المعلومات، مثل حوسبة السيليكون. لكن في الحقيقة لا نفهم حقا كيف يعمل الدماغ".
واختار العلماء لعبة Pong كونها بسيطة وثنائية الأبعاد، وكانت واحدة من أولى الألعاب المستخدمة في التعلم الآلي. ويخطط الفريق الدولي الآن لمعرفة ما يحدث عندما يتأثر DishBrain بالمخدرات والكحول.
وقال الدكتور كاجان: "نحاول إنشاء منحنى الاستجابة للجرعة باستخدام الإيثانول، وجعل خلايا الدماغ في الأساس، مخمورة، ومعرفة ما إذا كانت تلعب اللعبة بشكل سيء، تماما كما يحدث عندما يشرب الناس".
وسيكون العلماء قادرين على تجربة استخدام وظائف الدماغ الحقيقية بدلا من الشبكات العصبية المماثلة المعيبة، ومن المحتمل أن يفتح ذلك الباب لطرق جديدة تماما لفهم ما يحدث للدماغ.
وكشف المؤلف المشارك في الدراسة، الدكتور عديل رازي، من جامعة موناش في ملبورن: "هذه القدرة الجديدة لتعليم الخلايا المزروعة (Cell culture) لأداء مهمة يظهرون فيها حسا، من خلال التحكم في المضرب لإرجاع الكرة عبر الاستشعار - يفتح إمكانيات اكتشاف جديدة والتي سيكون لها عواقب بعيدة المدى على التكنولوجيا والصحة والمجتمع. إننا نعلم أن أدمغتنا تتمتع بميزة تطورية تتمثل في ضبطها على مدى مئات الملايين من السنين من أجل البقاء، والآن، يبدو أنه في متناول أيدينا حيث يمكننا تسخير هذا الذكاء البيولوجي القوي والرخيص بشكل لا يصدق".
وتثير النتائج أيضا إمكانية إنشاء بديل للتجارب على الحيوانات عند التحقيق في كيفية استجابة العلاجات في هذه البيئات الديناميكية.
وأوضح الدكتور كاجان: "أظهرنا أيضا أنه يمكننا تعديل التحفيز بناء على كيفية تغيير الخلايا لسلوكها والقيام بذلك في حلقة مغلقة في الوقت الفعلي".
ويعد DishBrain مزيجا من الخلايا العصبية البشرية المستمدة من الخلايا الجذعية وخلايا الفئران من الأدمغة الجنينية.
وتم تشغيل الأقطاب الكهربائية الموجودة على يسار أو يمين مجموعة واحدة لإخبار Dishbrain بأي جانب كانت الكرة. وتمت الإشارة إلى المسافة من المضرب بواسطة تردد الإشارات.
وعلُمت التغذية المرتدة من الأقطاب الكهربائية DishBrain كيفية إرجاع الكرة بجعل الخلايا تتصرف كما لو كانت هي نفسها المضرب.
وصرح الدكتور كاجان: "لم نتمكن من قبل من رؤية كيفية عمل الخلايا في بيئة افتراضية. لقد تمكنا من بناء بيئة حلقة مغلقة يمكنها قراءة ما يحدث في الخلايا، وتحفيزها بمعلومات مفيدة ثم تغيير الخلايا بطريقة تفاعلية حتى تتمكن من تغيير بعضها البعض بالفعل".
وقال البروفيسور كارل فريستون، المؤلف المشارك من جامعة كوليدج لندن: "إن الجانب الجميل والرائد من هذا العمل يعتمد على تزويد الخلايا العصبية بالأحاسيس (ردود الفعل)، وبشكل حاسم القدرة على التصرف في عالمها. ومن اللافت للنظر أن الخلايا المزروعة تعلمت كيفية جعل عالمها أكثر قابلية للتنبؤ من خلال التصرف بناء عليه، وهذا أمر رائع لأنه لا يمكنك تعليم هذا النوع من التنظيم الذاتي، ببساطة لأنه، على عكس الحيوانات الأليفة، ليس لدى هذه الأدمغة الصغيرة إحساس بالمكافأة والعقاب. إن إمكانات الترجمة لهذا العمل مثيرة حقا، هذا يعني أنه لا داعي للقلق بشأن إنشاء توائم رقمية لاختبار التدخلات العلاجية".
وأشار البروفيسور كاجان إلى اكتشاف مثير آخر يتمثل في أن DishBrain لم يتصرف مثل الأنظمة القائمة على السيليكون، موضحا: "عندما قدمنا معلومات منظمة إلى الخلايا العصبية غير المجسدة، رأينا أنها غيرت نشاطها بطريقة متسقة للغاية معها تتصرف في الواقع كنظام ديناميكي. على سبيل المثال، تزداد قدرة الخلايا العصبية على تغيير نشاطها وتكييفه كنتيجة للتجربة بمرور الوقت، بما يتوافق مع ما نراه في معدل التعلم في الخلايا".
وتعد النظرية الكامنة وراءها متجذرة في "مبدأ الطاقة الحرة" حيث يتكيف الدماغ مع بيئته من خلال تغيير أفعاله لتناسب العالم من حوله بشكل أفضل، ويمتلك DishBrain إمكانات في نمذجة المرض واكتشافات الأدوية وتوسيع الفهم الحالي للذكاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة