من أشد الأمور صعوبة على النفس أن يرى المرء أداة ناجعة للخلاص من إشكالية كبرى تواجهه ويمكن استخدامها في يسر وسهولة ولا يلجأ إليها بل تغيب البصيرة - وليست البصيرة كالبصر- فيصبح قلبه أعمى.. هذا ما احالني إليه تفكير على خلفية اقتراب موعد معرض الكتاب الدولي خلال أيام .!
ساحكي لكم قصة لعل البعض لا يعرفها لكنه بالضرورة يعرف خلفياتها.. فأما الخلفيات فهي أننا في حرب ضروس ضد الإرهاب الإخواني والإرهاب المتشح بالدين على وجه العموم منذ ما يقرب من عشر سنوات ولقد قدمت الدولة المصرية ولا تزال الكثير من الجهد والمال والدم الزكي من أبناء قواتنا المسلحة الباسلة والشرطة ومن المدنيين أيضا وماتزال تقدم.. هذه حقيقة معلومة للكافة. . وأما المعلومة التي قد لا يعرفها كثيرون فهى أن كتبا مهمة ومؤثرة صدرت بأقلام كبار الكتاب ، ضد الإرهاب الفكري والمسلح، وأن هذه الكتب حال إتاحتها للكافة يمكن أن تلعب دورا مؤثرا في توعية الجماهير ضد الإرهاب وان هناك تجارب سبق أن قدمتها الدولة المصرية في هذا السياق فما بال وزارة الثقافة غابت عن تقديمها وكأن حربا على الإرهاب في مصر لم تقم وكأن شهداء لم يبذلوا الروح والدم في هذه الحرب؟!
ولا نطيل.. فللمرة الثالثة أطالع كتاب (هؤلاء هم الإخوان) الصادر عن دار الهلال في العام 1954 بأقلام عميد الأدب العربي د. طه حسين والصحفي العظيم محمد التابعي وكامل الشناوي وعلى أمين وناصر الدين النشاشيبي وآخرين من اعاظم الكتاب.. من يقرأ هذا الكتاب يتحصن تماما ضد التعاطف - مجرد التعاطف - مع هؤلاء الإرهابيين.. ويكتشف بسهولة دموية تفكيرهم وازدراءهم للمجتمع والناس ونواياهم السوداء وأفكارهم التي تنتمي القرون الوسطى. . يكفي أن تقرأ مقال طه حسين في هذا الكتاب والذي يحمل عنوان (رخص الحياة)- بكسر الراء وفتح الخاء- لتأخذ (تطعيما ابديا)ضد الاخونة .. يكفي منه هذه الفقرة التي يقول فيها العميد واصفا اياهم (من زمن الخوارج.. وقبضة من نيران الحروب التي يشعلها المحتلون في العالم، يخالفون الطبيعة الوديعة للمصريين، ويعملون على نشر القتل بينهم) او قوله تنزيها للإسلام عن الاتهام الكاذب بالإرهاب وهو الاتهام الذي تسبب فيه الإخوان واتباعهم ( لم يحرم الإسلام شيئا كما حرم القتل، ولم يأمر بشيء كما أمر بالتعاون على البر والتقوى، ولم ينه عن شيء كما نهى عن قتل النفس بغير نفس اثما وعدوانا.. ولم يرغب في شيء كما رغب في العمل على العدل والبر والإحسان).
تساءلت فى نفسى وأنا أنهى قراءة الكتاب: لماذا لا تعيد وزارة الثقافة طباعته مجددا وتطرحه مجانا أو بسعر رمزى وبكميات كبيرة في معرض الكتاب اسهاما منها في الحرب الفكرية على الارهاب؟ ليس جديدا - للمناسبة- أن تقوم الوزارة بهذا.. فقد قامت به في التسعينيات حين كان فاروق حسني وزيرا للثقافة وأصدر سلسلة (كتب التنوير) بسعر جنيه واحد أو جنيهين على الأكثر وقد كان لهذه السلسلة أثر كبير في أبعاد عشرات الآلاف من أبناء جيلنا عن الانضمام للإخوان أو غيرهم من الجماعات الإرهابية.. وذهبت أفكر: لماذا لم تعلن السيدة وزيرة الثقافة عن جناح كامل في المعرض تحت عنوان (ضد الإرهاب) يطرح فيه هذا الكتاب مع الكتب التي سبق أن طبعتها الوزارة في سلسلة التنوير وكتب أخرى مثل كتاب مراد وهبة عن ابن رشد أو كتاب غالي شكري (أقنعة الإرهاب) مجانا أو بسعر رمزى لا يتجاوز 5 جنيهات على سبيل المثال؟ السنا مشتبكين في حرب ضروس ضد الإرهاب؟ أليست الثقافة سلاحا فتاكا فيما يتعلق بتعرية الإرهاب من الناحية الفكرية؟ أليست وزارة الثقافة هي المؤسسة الثقافية الرسمية للدولة أم أنها في حالة غياب عن معركة الارهاب؟ أسئلة يجب الرد عليها لأننا نخسر الكثير بهذا الأداء الثقافي المغيب!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة