كانت الساعة العاشرة إلا الربع صباح 18 يناير، مثل هذا اليوم، 1975، حين بدأت محكمة أمن الدولة العليا جلستها للاستماع إلى الشهود فى «قضية الفنية العسكرية»، وهى الجريمة قام فيها إرهابيون من التنظيم الذى كان يقوده الإرهابى «صالح سرية» باقتحام مبنى الكلية الفنية العسكرية يوم 18 إبريل 1974، ودارت اشتباكات انتهت بسقوط ستة قتلى من الإرهابيين، واستشهاد سبعة من العساكر والجنود الذين قاوموهم.
كان «أحمد الرجال»، الطالب بطب الإسكندرية، عضوا فى التنظيم وهو من أبلغ عن العملية قبل وقوعها، بتوجهه إلى منزل الرئيس السادات بالجيزة لهذا الغرض، لكن لم يتم التعامل مع كلامه بجدية، حسبما يشير فى شهادته أمام المحكمة، وفقا لتغطية «الأهرام» للجلسة فى عددها يوم 19 يناير 1975.
انضم «الرجال» إلى التنظيم الإرهابى بواسطة زميله «محمد الباشا»، وظل عضوا فيه حتى وقعت هذه المذبحة، ودعى ليكون ضمن منفذيها قبل وقوعها بيوم واحد، حسبما يذكر هو فى شهادته بكتاب «هاتف الخلافة»، تحرير وتقديم الدكتور كمال حبيب، وكذلك شهادته أمام المحكمة التى قال فيها، إن المبدأ الذى يعتنقه ومقتنع به أنى لا أخاف على الإسلام من أعدائه ولكن من أدعيائه، وأعلم تماما من قراءاتى لكتاب القومية والغزو الفكرى بالحركات التى قامت تحت ستار الإسلام وباسم الإسلام، والإسلام منها براء، وأذكر قبل واقعة الفنية العسكرية، أننى تقابلت مع محمد محمود الباشا فى كلية الطب بالإسكندرية، وكانت علاقتى محصورة به فقط، وقال لى، إن هناك محاولة لقيام «دولة إسلامية» بمصر.
يضيف «الرجال» بأن خوفه على الإسلام أولا ومصر ثانيا كان الحافز الأول الذى جعله يتظاهر بأنه من أعضاء التنظيم، وأنه كان يتصل بمحمد الباشا فقط، وكانت السرية تمنعه أن يقول لى من هو رئيس التنظيم أو أعضاؤه.. حاولت أن أمسك أى خيط، وظللت متظاهرا بالانضمام إليهم إلى أن أبلغنى محمد الباشا بالذهاب إلى القاهرة، ورحت معاه وكان معنا محمد خليفة ومحمد جابر ورحنا لغاية جامعة عين شمس، ولم نقابل أحدا، ورجعنا تانى إلى الإسكندرية، وتانى يوم رجعنا أنا ومحمد الباشا و4 آخرين ورحنا ميدان العباسية الساعة العاشرة والربع، وجاءنا واحد قصير وأصلع ولابس نظارة ومعه شنطة وعرض علينا خطة الهجوم على الفنية العسكرية، ودورى فيها، ودى كانت أول مرة أعرف فيها الخطة.
كان هذا «القصير والأصلع» هو الإرهابى «صالح سرية».. يذكر «الرجال» أنه أدرك فى هذه اللحظة أن الإسلام فى خطر وسيتورط فى قضية بالدليل المادى، فاستأذن للصلاة، وركب تاكسى إلى بيت الرئيس فى الجيزة وقابل نقيبين هناك.. يضيف: «قلت لهم أرجو إنقاذ الموقف بأقصى ما يمكن، ولكن أخذوا الأمر على أنه استهتار ولعب عيال.. قلت لهم روحوا هناك وسلطوا الأضواء علشان تمنعوا المذبحة أولا، وبعدين طلعونى عند 2 عقداء ونزلونى الساعة 12 ونصف فى عربية لمباحث أمن الدولة، ووصلت الساعة الواحدة إلا ربع، وقابلت المقدم ثروت إدريس٫ وأخبرنى أنهم أرسلوا عربية إلى الفنية العسكرية، والساعة الواحدة والنصف صباحا أخذنى اللواء سيد فهمى «رئيس مباحث أمن الدولة ووزير الداخلية فيما بعد»، وأخذ منى شوية كلام، وبعدين فضلت فى المباحث 16 أو17 يوم تحت التحفظ وماكنتش معتقل ولا حاجة».
يذكر «الرجال» فى مناقشاته مع هيئة المحكمة والدفاع، أنه لم يعرف من أعضاء التنظيم سوى محمد الباشا أمير جماعته، وأخبره أن قائد التنظيم شخصية كبيرة لها اتصال بالحكومات العربية.. يضيف الرجال: «لا بد من توافر سمات معينة فى أعضاء التنظيم، فممنوع على العضو التحدث مع الفتيات فى الجامعة أو التعامل مع البنوك أو فى شهادات الاستثمار، كما أن عليه التحفظ فى ملابسه، كما أن عصيان الحكومة هو من مظاهر القوة، لأن الحكومة كافرة».
كان الشاهد الثانى هو النقيب أحمد حلمى رجب، ضابط الأمن برئاسة الجمهورية، وقال إنه كان معينا ضابط نوبتجى فى منزل السيد الرئيس بالجيزة ليلة الحادث، وجاء أحمد الرجال وقال عاوز أقابل سيادة الرئيس، وقال إن فيه جماعة إسلامية عاوزة تقيم دولة إسلامية، وإنهم قالوا له النهارده هايجوا مصر لسماع محاضرة دينية، ووصلوا واتجمعوا فى ميدان العباسية، وعرف إنهم هيقوموا بعمليات تخريبية، وأول ما سمع جاء للإبلاغ، واتصلت أنا بالمقدم توفيق قورة، وقال لى ابعته لى، وبعد كده جاء لى العريف جلال شفيق وطلب مقابلة الريس وقال لى إن التنظيم هيهاجم الفنية العسكرية علشان يأخذوا منها أسلحة، وبعدين يهاجموا اللجنة المركزية اللى مجتمع فيها الرئيس للاستيلاء عليها، ثم استمعت المحكمة إلى شهادة العقيد توفيق قورة بالسكرتارية الخاصة برئاسة الجمهورية، كما استمعت إلى المقدم ثروت إدريس بمباحث أمن الدولة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة