تجربة فريدة وجديدة تقدمها الدكتورة نجوى عانوس، أستاذة المسرح والأدب العربى بكلية الآداب جامعة الزقازيق تضاف لتجاربها السابقة التي كان آخرها أعادة الاعتبار ليعقوب صنوع الذى شكك البعض في وجوده وريادته للمسرح المصرى، وتجربتها الجديدة هي قراءة وتحويل قصائد الشاعر والناقد المسرحي جرجس شكري لصور سينمائية ومسرحيات ومونودراما فقد قامت بتحليل كل قصيدة وأصدرت كتابا يحمل عنوان "المسرح والوعى والوجود فى شعر جرجس شكرى".
الدكتورة نجوى عانوس قدمت الدراسة في مقدمة وستة أقسام القسم الأول قصائد سينمائية ومسرحية بلا كلمات مجموعة "ضرورة الكلب في المسرحية" والقسم الثانى قصائد منودرامية مجموعة "رجل طيب يكلم نفسه" و القسم الثالث قصائد سريالية رداميه مجموعة "اشياء ليس لها كلمات" والقسم الرابع قصائد سريالية درامية مجموعة "تفاحه لا تفهم شيئا" والقسم الخامس قصائد سردية مجموعة "بلا مقابل اسقط اسفل حذائي" والقسم السادس قصائد سردية ومسرحية الأشياء مجموعة "والأيدي عطلة رسمية".
الدكتورة نجوي عانوس والشاعر جرجس شكري
وقالت عانوس لـ"اليوم السابع": وقد ارتبط مسرح جرجس شکري بالمعرفة التي ترتبط فلسفيا بالوعي الوجودي وعملت أدوات المعرفة (العين الفم - القدم – اليد) على اكتمال الجسد الميتافيزيقي جسدا بشريا يعبر من خلاله عن صورة المعرفة التي ترتبط بالوعي الوجودي للجسد البشري ، وأبدع جرجس شكري صورًا جديدة مغايرة للصور المألوفة ليحقق حالة من الوعي بوجوده المعرفي والتواصل الدائم بالزمن الماضي ومحاولة ربط ثوابته بتغيرات الحاضر والمستقبل.
وأضافت : كتب قصائد سينمائية في مجموعة «ضرورة الكلب في المسرحية»، إذ تحول النص الشعري إلى عرض سينمائي أو مشهدي وتحول بالتالي من القراءة أو الاستماع إلى عرض وصور تتحرك وتنمو وتتطور ولا يتجدد المشهد بخروج شخصية أو دخولها ولكن بتغير المكان مکررًا والزمن «هناك - هنا» (أيام - حين – الصباح – المساء) .
المسرح والوعي
وقالت أيضا : قمت عن طريق المونتاج بمشاركة الشاعر في إبداعه وحاولت إضافة صور سينمائية ، فالشاعر كان يترك بعض فراغات الزمن - الوجود - الكون ليملأها القارئ ، وقدم في المجموعة نفسها نموذجا تطبيقيا لأفكار أرتو في كتابه «المسرح وقرينه» وهو مسرح مكون من حركات وأصوات وإيماءات يلغي فيه المؤلف لصالح المخرج ويجعل الجمهور يفكر بحواسه فيشعر بتلك العضة المحسوسة التي يشتمل عليها كل إحساس حقيقي مستدعيا القسوة، يضع صفات الكلب في الإنسان وليس العكس فالطفل يصرخ ويعوي معًا.
وأضافت أيضا : تعاملت قصائد جرجس شكري المونودرامية في مجموعة رجل طيب يكلم نفسه مع الاضطراب النفسي فعاش حالة الاغتراب والغربة الكونية إذ تحول الجسد المونودرامی إلى طاقة مخزونة من الصور التي تخص فلسفة الوجود، وانبثقت الطاقة الكامنة في جسد أعماله من الميتافيزيقا ليتمرد على وضع الكون المعرفي واستدعى أجسادا ثقافية من الرموز والأساطير الفرعونية ليكسر حاجز غربته وليبرز قيمة وجوده الفردي إذ ظهرت الوجودية نتيجة لحالة القلق والاغتراب الذي أصاب الإنسان.
وتضيف : استدعى في قصيدة «عاليا عند الفرعونة» حفريات معارفه الفرعونية في رحلة روحه المغتربة عن ذاتها رحلة روحه قبل استيقاظها ومولدها من جديد ويصبح أحد المسافرين في مركب التحولات محاولاً اختراق النهر الدائري الشكل للوصول من العالم السفلي إلى السماء وضوء النهار، فيحلم الشاعر هنا بالحياة في زمن الفراعنة ليعيش رحلة اللاوعي ويصطدم بالواقع الاغترابي وافتقاد الآخر ويصور الاغتراب بين الزوج وزوجته نتيجة للتكنولوجيا فالزوجة أصبحت زوجة الهاتف، والمرأة التي تتجمل بوسائل صناعية تترك أسنانها عند طبيب الأسنان فتترك ابتسامتها وتترك عيونها عند طبيب العيون فتفقد النظرة، ومن الطبيعي أن تفتقد بعد ذلك اللقاء مع الآخر، فلا نظرة ولا ابتسامة ولا لقاء.
وتعد مجموعة أشياء ليس لها كلمات قصائد سريالية درامية وقد استخدمت مصطلح السريالية ولم استخدم الفانتازيا لأنني رأيت أن الشاعر فنان تشکيلی يصنع فنه بالكلمات وارتبطت السريالية بالفن التشكيلي أما الفانتازيا ارتبطت بالأدب عن طريق علم النفس ، وتأثر في هذه المجموعة بالسريالية حيث الغوص في اللاشعور والأحلام والانغماس في اللاوعي وتمجيد التجارب المكبوتة والذكريات الدفينة والعلاقات المتناقضة بين الأشياء والظواهر. فها هي الشمس تجر عربة الموتي... الخ.
ومنح الشاعر في مجموعة «تفاحة لا تفهم شيئا» للتفاحة حياة خاصة يتناقض من خلالها مع الوعي الزمني والوعي الشعوري للجسد المعرفي وينبش في حفريات معرفته الاقتصادية، حفريات معرفية تخص الحاضر والمستقبل الاقتصادي كما حفر العقل بخطاب معرفي مستقبلي متواصل مع الحاضر.
أما مجموعة «بلا مقابل أسقط أسفل حذائي» فهي قصائد سردية وحکايات متكررة ودائمة في الماضي مستخدما «کان - كل دائما - ربما - ديمومة، ويشير العنوان إلى انقسام الوعى الحقيقي ودفع المعنى لإخفاء الصورة الحقيقية وعيون المعرفة وانتهت بأن الوجود لا جدوى منه فالجميع يسقط بلا مقابل.
أما مجموعة «والأيدي عطلة رسمية» قصائد سردية ومسرح الأشياء وهي عدة حكايات من مجموعة «حيوانات ترث الملكوت» مما يؤكد اتصاله بتراثه الحكائي مستخدما فعل کان المتناص مع ألف ليلة وليلة ويعطي في هذه القصائد السردية للكائنات تجسيدا متناقضا مع طبيعتها فالكلب حامي اللص والحمار يقف ساخرا من عبث الحياة، وتتحول أعضاء الجسد إلى أدوات معرفية تتصارع من أجل إثبات الوجود وتواصل القديم مع الحاضر والمستقبل.
أبدع في هذه المجموعة مسرحا جديدا أطلقت عليه «مسرح الأشياء» في قصائد «في محبة الأشياء» إذ تحولت الأشياء إلى شخصيات تعتمد على اللغة الجسمانية والأصوات والصراخ تارة وتتحاور وتخاطب الجمهور تارة أخرى، فالسكاكين تقطع في الجسد القومي لترتفع مكاسبها الاقتصادية على حساب المجتمع وتطالب من الذات المعرفية عدم الكراهية فها هو النشيد القومي عنوان القصيدة.
تنقسم السكاكين إلى عدة مجموعات، مجموعة تمثل السلطة وتذبح، مجموعة أخرى تمثل مدعي الاشتراكية يحاولون الحصول على أكبر مکاسب من الشعارات ومجموعة أخرى تمثل العلمانيين في صراع مع السلطة الدينية التي تتهمهم بالكفر ، وتتحاور المطرقة في مسرحية «المطرقة» مع الحداد حوارا حادا يعكس الصراع بين السلطة السياسية والشعب والسلطة المعرفية، أما الصحن فهو الصحن الفرعوني رمز للإله آمون إله الشمس وتم طمس معالمه من الغرب ويفكر الكاتب متى سيموت الفكر الذي يجعلنا نقتبس أشياءنا من الغرب؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة