أصدرت الدائرة الجنائية – بمحكمة النقض، حكما فريدا من نوعه، بالنقض وبراءة متهم من حكم الإعدام في قضية جلب مخدرات من الخارج أرست فيه عدة مبادئ قضائية بشأن قضايا جلب المخدرات، قالت فيه: "التحريات بدون مصدر افتراضية، والعلم في القصد الجنائي يجب أن يكون ثبوته فعليا لا افتراضيا، ودور المستخلص في إنهاء الإجراءات فقط لا يعني علمه ما بداخل الرسائل وتحركاته لاستلام الشحنة بموجب تفويض محدد".
وتابعت "المحكمة": من المقرر أن القصد الجنائي فى جريمة جلب وحيازة مواد مخدرة باعتبارها ركناَ من أركان الجريمة يجب أن يكون ثبوته فعلياَ لا افتراضيا، فهو لا يتوفر بمجرد تحقق الحيازة المادية ، بل يجب أن يقوم الدليل على علم الجانى بأن ما يحوزه هو من الجواهر المخدرة المحظور جلبها وإحرازها قانوناَ وإلا كان ذلك إنشاء لقرينة مبناها افتراض العلم بالجوهر المخدر من واقع حيازته، وهو ما لم يمكن إقراره قانوناَ.
الوقائع.. إحالة المتهم للمفتى لاتهامه بالاتجار فى المخدرات
صدر الحكم فى الطعن المقيد برقم 17930 لسنة 87 القضائية، لصالح المحامى جورج أنطون، وبرئاسة المستشار خالد مقلد، وعضوية المستشارين محمد قنديل، ومصطفى الدخيمى، وأشرف كمال المخزنجى، ومحمد غنيم، وبحضور رئيس النيابة لدى محكمة النقض أحمد عوض الله، وأمانة سر أحمد جوده.
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر في قضية الجناية رقم 1431 لسنة 2015 قسم المينا، بوصف أنهما فى يوم 11 من يناير سنة 2014 بدائرة قسم المينا – محافظة الإسكندرية – جلبا جواهر مخدرة – عقار الترامادول – المخدر بدون ترخيص كتابي من الجهة الإدارية المختصة وفى غير الأحوال المصرح بها قانوناَ، وإحالته إلى محكمة جنايات الإسكندرية لمخالفته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
محكمة أول درجة تقضى بإعدام المتهم.. والأخير يطعن
وفى غضون 9 مارس 2017، قضت محكمة الموضوع بإحالة الأوراق إلى فضيلة المفتى لاستطلاع الرأي الشرعي فيما نسب للمتهم، وبجلسة 4 من مايو 2017، قضت المحكمة بإجماع الآراء عملاَ بالمواد 1، 2، 3، 33/1 بند "أ"، 42/1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل والبند رقم 152 من القسم الثانى من الجدول رقم "1" بمعاقبته بالإعدام وبتغريمه مبلغ 100 ألف جنيه وبمصادرة الجوهر المخدر.
وفى تلك الأثناء – طعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض فى 9 من مايو سنة 2017، وأودعت مذكرتين بأسباب الطعن الأولى فى 28 من يونيه سنة 2017، وبجلسة 4 من نوفمبر 2018 قضت محكمة النقض بقبول الطعن المقدم من المحكوم عليه شكلاَ وعرض النيابة العامة للقضية وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة 9 من يناير سنة 2019 لنظر الموضوع مع استمرار حبس الطاعن، وعلى النيابة العامة إحضاره من محبسه بتلك الجلسة.
تفاصيل الواقعة وشهادة الشهود
المحكمة فى حيثيات الحكم، قالت إن النيابة العامة أسندت إلى المتهم – وآخر سبق الحكم عليه – أنهما جلبا جوهراَ مخدراَ "عقار الترامادول" المخدر بدون ترخيص كتابي من الجهة الإدارية المختصة وفى غير الأحوال المصرح بها قانوناَ، وطلبت عقابه طبقاَ لمواد الاتهام، وقد ركنت النيابة فى إثبات الاتهام قبله إلى ما ورد بقائمة أدلة الإثبات من أقوال ضباط الواقعة، وما ورد بتقرير المعامل الكيماوية، وما ثبت من تقرير لجنة الفحص المشكلة بمعرفة النيابة العامة، فقد شهد المقدم عماد فاروق أنه نفاذاَ لإذن النيابة العامة بضبط الحاويتين والكشف عنهما وجود مشمولهما تبين أنهما يحويان على أقراص مخدرة، وأسفرت التحريات أن المتهمين اشتركا فيما بينهما على استيراد الرسالتين من الخارج وزورا فى أوراق تخصهما، وتعامل المتهم الثانى فى إنهاء تلك الإجراءات الجمركية التى تخصها وأعزى قصدهما من ارتكاب تلك الواقعة هو جلب كمية من المخدرات بقصد الاتجار فيها وتحقيق الربح السريع.
وشهد "أحمد.ف" – مدير الشركة – أن المتهم هو الذى قدم كافة الأوراق للإفراج عن تلك الرسالتين وإنهاء الإجراءات الجمركية، وثبت من تقرير المعامل الكيماوية أن العينات المأخوذة من المضبوطات تحوى جوهر الترامادول المخدر، وأورى تقرير اللجنة المشكلة بمعرفة النيابة العامة لمجرد محتويات الرسالتين المضبوطين أن عدد الأقراص الموجودة بداخلهما 31 مليون و700 ألف قرص لجوهر الترامادول المخدر، وحيث أن ممثل النيابة العامة الحاضر بالجلسة طلب معاقبة المتهم طبقاَ لمواد الاتهام.
المتهم أنكر بالجلسة ما أسند إليه من اتهام، وأبدى المحامى الحاضر معه دفاع يخلص في انتفاء التهمة المسندة إلى المتهم لعدم علمه بمحتويات الرسالتين وأن دوره قاصر على إنهاء الإجراءات الجمركية بصفته مفوضاَ عن الشركة مالكة الرسالتين، وعدم جدية التحريات، وعدم مصداقية وصحة أقوال شهود الإثبات، وقدم تدليلَ على صحة دفاعه 6 حوافظ مستندات.
الحيثيات تؤكد: التحريات بدون مصدر افتراضية
المحكمة فى حيثيات الحكم قالت أنه من المقرر أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الأدلة التى يقتنع بها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته، صادرة فى ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من تحقيق، مستقلاَ فى تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره، ولا يصح فى القانون أن يدخل فى تكوين عقيدته بصحة الواقعة التى أقام عليها قضاءه أو بعدم صحتها حكماَ لسواء وكان من المقرر أنه وإن كان يجوز للمحكمة أن تعول فى تكوين عقيدتها على التحريات بحسبانها قرينة تعزز ما ساقته من أدلة، إلا أنها لا تصلح بمجردها أن تكون دليلاَ كافياَ بذاته أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام، وهى من بعد لا تعدو أن تكون مجرد رأى لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلى أن يعرف مصدرها ويتحدد، حتى يتحقق القاضى بنفسه من هذا المصدر ويستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته القانونية فى الإثبات.
ووفقا لـ"المحكمة" – من المقرر أن القصد الجنائي فى جريمة جلب وحيازة مواد مخدرة باعتبارها ركناَ من أركان الجريمة يجب أن يكون ثبوته فعلياَ لا افتراضيا فهو لا يتوفر بمجرد تحقق الحيازة المادية بل يجب أن يقوم الدليل على علم الجانى بأن ما يحوزه هو من الجواهر المخدرة المحظور جلبها وإحرازها قانوناَ وإلا كان ذلك إنشاء لقرينة مبناها افتراض العلم بالجوهر المخدر من واقع حيازته، وهو ما لم يمكن إقراره قانوناَ – كذلك – أن الأحكام الجنائية – يجب أن تبنى بالجزم واليقين على الواقع الذى يثبته الدليل المعتبر ولا تؤسس بالظن والاحتمال على الفروض والاعتبارات المحددة، ولما كان ذلك، فإن المحكمة لا تسترسل إلى ما ركنت إليه النيابة العامة فى سبيل التدليل على صحة الاتهام وصحة إسناده إلى المتهم لقصوره عن بلوغ حد الكتابة لإدراك القصد الجنائى، وذلك لخلو أوراق الدعوى من الدليل الفنى على علم المتهم بأمر ما تحويه الرسالتين من أقراص مخدرة.
المحكمة تؤكد: العلم في القصد الجنائي لابد أن يكون ثبوته فعليا لا افتراضيا
وذلك أن الثابت للمحكمة من واقع المستندات المقدمة فى الدعوى وما جرى بها من تحقيقات أن شاهد الإثبات الأول المقدم عماد فاروق – معاون مباحث قسم مكافحة جرائم الأموال العامة – أثبت بأقواله ومحاضر الاستدلالات التى حررها أن تحرياته توصلت إلى قيام شركة "ك.م" إلى استيراد رسالتين يحملان خيوط تريكو ويحويان عقاقير مخدرة من المملكة المتحدة إلى ميناء النخيلة البحرى، فاستصدر إذناَ من النيابة العامة بندبه مع لجنة من مكافحة التهرب الجمركى لجرد مشمول الرسالتين.
وتضيف: وقد ثبت لهم أن الرسالتين يحويان خيوط حريرية وكراتين لأقراص الترامادول، ومن ثم تكون رواية هذا الشاهد من أن تحرياته أسفرت على أن المتهمين اشتركا فيما بينهما على استيراد رسالتين من الخارج وزورا أوراق تخصهما قد أسس بنيان شهادته على شفا جرف هار من الريب والظنون والافتراضات بعد أن قضى ببراءة المتهم من تهم التزوير والاستعمال وتقليد خاتم في التفويض الصادر له من الشركة المذكورة، لإنهاء الإجراءات الجمركية الخاصة بالرسالتين ويزيدها وهناَ على وهن تجهيل مصدر تحرياته مما لا تستطيع معه المحكمة الوقوف على صحة تلك التحريات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة