استأذن الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، من المدعى الاشتراكى فى الاستفاضة فى شرح موضوع مقاله «تحية للرجال» المنشور فى الأهرام يوم 12 مارس 1971 للرد على اتهام البعض له بـ«الانهزامية»، وهى التهمة التى سأله «المدعى» عنها فى جلستى التحقيق الثانية والثالثة معه، حسبما يذكر «هيكل» فى كتابه «وقائع تحقيق سياسى أمام المدعى الاشتراكى».
بدأت التحقيقات مع «هيكل» يوم 14 يونيو 1978، وذلك على أثر مذكرة تقدم بها وزير الداخلية النبوى إسماعيل إلى المدعى الاشتراكى يوم 28 مايو 1978 يطالبه بالتحقيق مع خمسة صحفيين هم: «محمد حسنين هيكل، محمد سيد أحمد، أحمد حمروش، صلاح عيسى، الشاعر أحمد فؤاد نجم»، وأصدر «المدعى» قرارا بمنعهم من السفر إلى الخارج.
كان مقال «تحية للرجال» هو محورالتحقيق فى الجلسة الثانية يوم 15 يونيو 1978، يذكر «هيكل» أن المدعى الاشتراكى سأله: «أخشى أن يكون ما به تثبيط عزائم رجال القوات المسلحة»، فاستأذن «هيكل» فى الاستفاضة فى الشرح، قائلا: «هذا موضوع بالغ الأهمية، وكل ما أريده هو أن تتضح صورة الحقيقة، إننى تعرضت لحملات أظنها ظالمة، راحت تدعى علىّ بما لم أقله، وبما كان عكس كل ما كتبت، على خط مستقيم، لقد قيل إننى بالغت فى قوة العدو وشككت فى إمكانية الحرب، وكنت انهزاميا، وغير ذلك مما يقال، وأنا أرحب الآن بهذه الفرصة التى أرجو فيها أن أحدد موقفى واضحا أمامكم ولو لمجرد التسجيل لمستقبل الأيام».
كشف «هيكل»، أنه تعرض لقضية الحرب فى أكثر من ثلاثين مقالا، بعد هزيمة 5 يونيو 1967، فيها توضيح كاف لموقفه، واستعرض للمدعى ما جاء فى هذه المقالات، وفى الجلسة الثالثة يوم 21 يونيو، مثل هذا اليوم، 1978 واصل كلامه عن القضية ذاتها، واستمر فى استعراض نماذج مقالاته، مؤكدا أنه يريد أن يثبت من خلالها، أنه يدور ويلح حول عدة نقاط، هى: «كنت دائما أقول وأكرر أنه لا مفر من الحرب، وأوضحت بالتحليل، أن حربنا لا بد أن تكون هجومية، نقوم نحن بشنها، ولا بد أن تكون حربا طويلة لتلافى أثر التفوق العسكرى الإسرائيلى الذى يعتمد على الحرب الخاطفة، ثم ركزت على الأسباب التى تحتم أن تكون حربنا على جبهتين، بما يعنيه ذلك من ضرورة إقامة جبهة شرقية مع سوريا على الأقل».
يضيف: «ثم وصلت إلى النقطة الساخنة فى الاستراتيجية العربية وهى، أن أول أهداف الحرب لا بد أن يكون تكبيد العدو أكبر قدر من الخسائر البشرية وفى المعدات، لأن ذلك هو الطريق المباشر لكسر نظرية الأمن الإسرائيلية، كما يكفل تغيير موازين القوة فى المنطقة».
وصف «هيكل» الحديث عن مقال «تحية للرجال»، بأنه أصبح «قميص عثمان»، واقترح المدعى الاشتراكى عليه أن يضع ما يريد من الاستشهاد به مما كتبه فى حافظة مستندات مرفقة بالتحقيق، فرد «هيكل» بأنه سيضع كل المستندات فى حافظة واحدة ويقدمها فى الجلسة المقبلة، لكنه رأى أن يستشهد بما يقول فى سياق التحقيق لتكون وجهة النظر واضحة فى صلبه.
بدأ «هيكل» فى الحديث عن المقال، واستأذن المدعى الاشتراكى فى قراءته كاملا أمامه، معلقا: «هذا المقال تركزت عليه ومن حوله حملة كبيرة، وبالتأكيد فإن كثيرين ممن شاركوا فيها استغلوا عنصر الزمن، ومضى سنوات على النشر تضمن لهم قدرا من النسيان، بحيث يكون فى استطاعتهم أن ينسبوا لغيرهم أى شىء يريدونه وهم فى اطمئنان من أن أحدا لا يتذكر ما قيل قبل سنوات، ثم إن من يعنيه الأمر لا يستطيع أن يرد».
فرغ «هيكل» من قراءة نص مقاله، ثم قال: «لا بد أن أعبر عن دهشتى للطريقة التى يُستغل بها، والتفسيرات الغريبة التى أٌلحقت به، إن هذا المقال تسبب فى إثارة حملة واسعة علىّ فى فترة نشره، وكانت حملة موجهة كلها من مجموعة السلطة التى اشتهرت بوصف «مراكز القوى»، وفى يوم من الأيام ظهرت جريدة الجمهورية، وكانت فى ذلك الوقت تعبر عن هذه المجموعة، وكل صفحاتها تقريبا مخصصة لهذا الهجوم على بسبب هذا المقال، لدرجة أن عددا من الأعداد فى تلك الفترة صدر وفيه أربع مقالات بملء أربع صفحات، كتبها أعضاء فى اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربى واللجنة المركزية، وعلى أى حال فإن ذلك فى تلك الأيام كانت له أسبابه، وسوف أشرحها فيما بعد فى سياقها، ولكن الذى أعجب منه حقا هو أن تُستخدم الحجج ذاتها التى استخدمتها مراكز القوى ضدى من جانب هؤلاء الذين يقولون إنهم يعبرون عما بعد 15 مايو»، يضيف: «إذا رجعت إلى التركيز على هذا المقال نفسه، فماذا نجد فيه»؟
واستمرت جلسة التحقيقات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة