يحتفل الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى، بعيد ميلاده الـ86 إذ ولد في يونيو عام 1935، وهو رائد من رواد القصيدة فى العصر الحديث، له إسهاماته المتعددة فى الشعر والنقد والترجمة.
كانت أول قصيدة تتصدر ديوان أحمد عبد المعطى حجازى الأول هى قصيدة "مدينة بلا قلب" مؤرخة فى عام 1956، وقد احتفى بها رجاء النقاش طويلا فى مقدمة الديوان واعتبرها إيذانا بميلاد اتجاه جديد فى الشعر سينضو عنه ثوب الرومانسية المراهق دون أن يتلبس بمصطلحه البديل "الواقعية".
نشر حجازى أول دواوينه الشعرية "مدينة بلا قلب" فى عام 1959، وفى ذات العام نشر ديوانه الثانى "أوراس"، وفى عام 1965، صدر الديوان الشعرى الثالث لحجازى بعنوان "لم يبق إلا الاعتراف"، أما الديوان الرابع "مرثية العمر الجميل" فنشر عام 1972.
يقول الشاعر اللبنانى الكبير شوقى بزيغ عن ديوان "مدينة بلا قلب": لم يكن عبد المعطى حجازى الشاعر الوحيد الذى غادر شاباً مسرح طفولته الريفى ليصطدم بجدران الأسمنت والفولاذ فى المدن الكبيرة، إذ لابد للمرء أن يلاحظ أن أكثر من تسعين فى المائة من الشعراء ينحدرون من الأرياف التى يسهم فضاؤها المفتوح، وطبيعتها الغنية بالمرئيات، فى إلهاب المخيلات، وإغنائها بالصور والأحاسيس والتدفق التعبيرى، وهم حين يفدون إلى المدن والعواصم الكبرى يعيشون حالة من التمزق الداخلى أو الفصام النفسى بين عالم الأمس الملفوح بنسيم البراءة الرومانسي، والعالم الجديد الذى يتزاحم فيه الآلاف بالمناكب بحثاً عن لقمة العيش، أو عن بريق الشهرة والنفوذ والمال.
ورغم أن ظلال هذه التمزقات قد شكلت الهاجس الأبرز عند شعراء الرومانسية الإنجليز فى مطالع القرن التاسع عشر، فإنها لم تنعكس فى الشعر العربى، باستثناء بعض النصوص المتفرقة للسياب وبلند الحيدرى وصلاح عبد الصبور، بالقدر الذى عرفته مع عبد المعطى حجازى فى مجموعته الرائدة «مدينة بلا قلب»، حيث يعلن الشاعر بمرارة: «أواجه ليلى القاسى بلا حبّ \ وأحسد من لهم أحبابْ \ وأمضى فى فراغ بارد مهجورْ \ غريبٌ فى بلاد تأكل الغرباء \ طرقتُ نوادى الغرباء لم أعثر على صاحبْ \ وكان الحائط العملاق يسحقنى \ ويخنقني». وفى نصوص أخرى، تتخذ الغنائية طابعاً أقل إنشادية، وأكثر احتفاء بخلجات النفس وترددات المعنى، وهو ما تجسده بوضوح قصيدة «السجن»، حيث نقرأ: «والسجن ليس دائماً سوراً وباباً من حديدْ \ فقد يكون واسعاً بلا حدودْ \ كالليل كالتيهِ \ نظلّ نعدو فى فيافيهِ \ حتى يصيبنا الهمودْ \ وقد يكون السجن جفناً قاتم الأهداب نرخيهِ \ وننطوى تحت الجلودْ \ نجترّ حلم العمر فى صمتٍ ونخفيهِ \ وأن نعيش دون حبّ، دون إنسان ودودْ".
فى «مدينة بلا قلب»، لا نقرأ سيرة مدينة بذاتها، ولا فرد بعينه، بل نقرأ سيرة ضياع الإنسان المعاصر فى زحام المدن الكبيرة المعولمة التى يحدق فيها كل واحد بالآخر ولا يراه، والناس يمضون سراعاً، ويحدقون فى اللاشيء وكأنهم أشباح أنفسهم. ولذا فقد لا يحفل أى منهم بفتى ضل الطريق إلى بيته فى الزحام، أو بمقتل صبى بائس تحت عجلات عربة عجلى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة