أقف أمام دار العرض، أرفع رأسه مستعرضا أفيشات الافلام المعروضة في السينما في حيرة وأظل أفاضل بينها حتى أستقر على أحدهم، فأقف في طابور طويل أمام شباك التذاكر، أختار مقعدى أمام شاشة السينما، ثم أحصل اخيرا على التذكرة، أتفحصها جيدا، ثم أذهب لشراء الفشار، وبعدها أتوجه إلى باب القاعة، يستقبلنى موظف السينما ويطلب منى التذكرة، فأعطيها له بابتسامة خاطفة، ندخل القاعة، ينير الموظف الكشاف، حتى يصل الى المقعد المطبوع على التذكرة، ثم يقطع نصفها، ويعيدها لى، تبدأ الشاشة في عرض مجموعة من الاعلانات الترويجية لأفلام سُتعرض قريبا، وما هي الا دقائق حتى يبدأ الفيلم أخيرا.
لا اخفيك سرا عزيزي القاري، أن هذه التفاصيل الدقيقة، هى أمتع لحظاتى حينما أقرر الذهاب الى السينما، بل تكاد تكون هذه التفاصيل، هي أمتع من الفيلم نفسه في بعض الأحيان، ولا اتخيل أن يأتى اليوم الذى أُحرم فيه من متعة عناء الوقوف في الطابور ودخول السينما وهى ممتلئة عن آخرها، لمجرد أن هناك احتمالية لاختفاء دور العرض واستبدالها بالمنصات الرقمية المدفوعة مسبقا.
دعني في البداية أوكد أن هذه المنصات بالفعل أحدثت طفرة فى السينما والدراما، وأن الدراما العالمية، تطورت بشكل مخيف تزامنا مع انتشار تلك المنصات، ولكن لا اتخيل أن تبتلع هذه المنصات دور العرض، وأن تصبح السينمات في خبر كان.
نعم، هذه هي سنة الحياة، فالجديد قد يأكل القديم وربما يميحه من الوجود، فأين شريط الكاسيت، وأين "الفلوبي ديسك" فهي اشياء انقرضت وابتلعتها تكنولوجيا جديدة، ولكن وبنفس القياس، سنجد ان الكتاب مازال موجودا شامخا يقف مقاوما لملفات ال pdf بل أن أغلبية القراء لا يجيدون المتعة الا فى رائحة الورق وملمسه، كذلك سنجد الصحف المطبوعة تقاوم وتعافر ومازال مكانتها محفوظة، وأيضا سنجد الراديو، تخطى أكثر من مائة عام، ومازال له مكانة خاصة بين وسائل الاعلام، ان لم يكن منافسا شرسا للوسائل الحديثة.
السينما هى الفن الأكثر انتشارا وتأثيرا، وربما امتاعا على مدار قرن من الزمان، وليس من السهل أن تختفى كما اختفت وسائل أخرى من قبلها، ولديها سحرا خاصا لا يٌقاوم.
منذ أزمة كورونا وظهور بوادر للأزمة في بداية العام 2020، اتجه العالم نحو المنصات الرقمية المدفوعة التي تعرض وتنتج أفلاما ومسلسلات، وبدأت هذه المنصات تنتشر بشكل كبير، بل وجدت طريقها إلى المتلقى، وربما تكون عوضته عن الذهاب إلى السينما، وأيضا منحته متعة بصرية بأعمال جذابة على جميع مستوايات وعناصر الصناعة.
هذا الوضع وان طال، لشهور أو ربما لسنوات قليلة، سيظل حتما استثنائيا، فرغم سطوة الشركات والمنصات الجديدة، إلا أن بعض المخرجين في هوليود على سبيل المثال، فضوا شركات واعتذروا عن أعمال لمجرد علمهم بأن هذه الأعمال لن تعرض في السينمات، وستذهب مباشرة إلى منصة عرض، وهو ما يهدد الفن السابع.
أؤيد وبذلك ذلك الاتجاه الذى يجمع بين دور العرض وامتلائها بالأفلام السينمائية، وبين المنصات الرقمية التى تشترى حق عرض الأفلام، وأيضا تنتج لنفسها أعمال تعرض مباشرة عبر منصاتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة