من بين أزمات العقل العربي المعاصر بروز ظاهرة قديمة جديدة على واقعنا المعاصر، تسمي بـ "دواعش الفلسفة". والمصطلح أطلقه المفكر البروفيسور سامي عبد العال أستاذ الفلسفة على بعض المثقفين والمنظرين الذين نصبوا من أنفسهم حكما على أفكار الآخرين، وتصدروا المشهد الثقافي والإعلامي العربي.
إنَّهم بحسب- سامي عبد العال، أرتال من الأساتذة وكتاب الفلسفة ودارسيها الذين يلتزمون بأوهام متصلبة إزاء الواقع وداخله. وقد ظنوا أنهم يمثلون نحلةً هم انبياءها والناطقون وحدهم بلسان " الغيب الفلسفي " بعيداً عن آفاق الفكر الحر والتطور والإبداع الخلَّاق. وكأنَّ العِوز العقلي الذي نعيشه قد نَصَبَ " سوقاً ثقافياً" لتسليع الأفكار والعقول كبضائع تدخل من باب المواصفات العالمية لما يماثلها في ثقافات محلية أخرى".
وأتفق معه في وصف هؤلاء المدعين بدواعش الفلسفة والثقافة، الذين اتخذوا من التنوير لعبة للتربح ووصف من يخالفهم بأنه مثقف نمطي / مثقف موظف/ غير متخصص/ غير منتمي/ متفلسف وليس فيلسوفا.
هذه الظاهرة لم تعد قاصرة على العالم العربي فحسب، بل قام بنقلها بعض الأكاديميين الأوروبيين من أصول عربية إلى الغرب، فنرى بعضهم يضع تعريفات للمسلم/ العربي/ المهاجر، غير المندمج بأنه إرهابي، مما يعرض الجاليات العربية المسلمة للبطش دون التفرقة بين الأصوليين والراديكاليين والمعتدلين ووضع الجميع في سلة واحدة، كل ذلك حتى ينعم المستشار ذو الأصول العربية بمناصبه الحكومية ورواتبه المتعددة باليورو لدى السلطات الأوروبية.
إنها سوق للثقافة لمن يدفع أكثر تجعل المثقف انتهازيا يضع المخالفين للرأي معه في جبهة من ليس معنا فهو علينا، ثم يتشدق بحرية الرأي والتعبير والتنوير وتثوير العقول. أي عقول تلك التي يجري تسليعها وتسويقها بحجة التخلي كلية عن الهوية والذوبان في ثقافة أخرى إرضاء لسلطة ما وطمعا في امتيازات وحظوة ونفوذ لدى الغرب، دون موضوعية تذكر أو حياد أو استقلالية.
ما أكثر دواعش الثقافة ودعاة التفلسف في عالمنا المعاصر، وهؤلاء الانتقائيين يصفون نفسهم بالعروبيين وقت زمن العروبة والقومية العربية وليبراليين عند بروز ووهج الليبرالية وإسلاميين عندما تبزغ شمس الإسلاموية..فما أحوج ثقافتنا العربية إلى كشف هؤلاء وبيان زيف ادعاءاتهم العقلانية والتنوير وهم أبعد ما يكون عن ذلك، فلا يرون أبعد من أنفسهم في المرآة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة