حالة من الزخم الدولى، باتت تشهدها القضية الفلسطينية في المرحلة الراهنة، لتعود من جديد إلى صدارة المشهد الدولى، في ظل التطورات الأخيرة التي حدثت في مدينة القدس، وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لقدسية المسجد الأقصى، ناهيك عن محاولات التهجير التي قامت تجاه سكان البلدة القديمة، وتحديدا حى الشيخ جراح، في إطار محاولة جديدة لتغيير هويتها، عبر تغيير الوضع الديموجرافى، وهو ما أثار الداخل الفلسطيني، ومن وراءه المحيطين العربى والدولى، خاصة بعد الاشتباكات العنيفة التي شهدتها المدن الفلسطينية، بين المواطنين، وقوات الاحتلال ومستوطنيه.
ولعل الأحداث الأخيرة، رغم مأساويتها، قد ساهمت بجلاء، في إبراز حقيقة مفادها أن القضية الفلسطينية، وإن توارت خلف قضايا أخرى، فإن تواريها يبقى مرحليا، بينما تبقى محتفظة بأولويتها، خاصة على الساحة العربية، وهو ما يمثل انعكاسا جديدا، ليس فقط لأهميتها، وصدارتها، وإنما أيضا لفشل مخططات العديد من القوى الدولية والإقليمية الأخرى، التي تسابقت، لنشر الفوضى في المنطقة العربية، سعيا وراء خلق قضايا جديدة، من شأنها تقويض القضية المحورية في العالم العربى، وذلك لخدمة هدف واحد، وهو تقويض حل الدولتين، والذى يقوم في الأساس على تأسيس دولة فلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية.
فلو نظرنا إلى حقبة "الربيع العربى"، نجد أن المخططات الدولية تجلت بوضوح، لتقويض قضية الحق الفلسطيني، عبر تأجيج الدول العربية بالإرهاب، ونشر الفوضى، وتمكين الجماعات الإرهابية من السلطة، مقابل تقديم تنازلات كبيرة عن القضايا القومية، على اعتبار أن الأولوية، على المستويين الفردى والجماعي، في المنظومة العربية، ستكون للداخل، وهى الخطة التي تم تقويضها، على عدة مراحل، كان أولها ما يمكننا تسميته بـ"الاستفاقة المصرية" خلال ثورة 30 يونيو، والتي فتحت الطريق أمام مراحل أخرى، لم تقتصر في نطاقها على الداخل المصرى، وإنما امتدت إلى المستوى الإقليمى، عبر الحرب على الإرهاب وتطويقه، سواء عسكريا أو فكريا، لتعود الأمور نحو قدر كبير من الاستقرار، وتفتح المجال أمام مفهوم يمكن تسميته بـ"عودة الأولويات" الأساسية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وتعد التطورات الأخيرة في فلسطين، ترجمة حقيقية، لمفهوم "عودة الأولويات"، وهو ما ظهر على العديد من المستويات، أولها شعبيا، وهو ما بدا في ثورة عربية، تجلت في جزء منها على مواقع التواصل الاجتماعى، أعرب فيها قطاع من المواطنين العرب، عن تضامنهم مع القضية، ومناصرة الحق الفلسطيني، في حين كان المستوى الثانى رسميا، عبر مواقف الدول العربية، كل على حدة، الداعمة للفلسطينيين، والرافضة للانتهاكات التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي، بينما كان ثالثها، على المستوى الجمعى، عبر جامعة الدول العربية، والتي لم تكتفى بمجرد اجتماع عادى للمندوبين الدائمين، وإنما اتجهت نحو رفع مستوى اجتماعها على المستوى الوزاري، لتقديم رسالة قوية للعالم، من شأنها زيادة الضغط على إسرائيل، لإجبارها على التراجع عن موقفها العدائى تجاه الفلسطينيين.
وهنا كان الموقف العربى، في جوهره محركا، لمواقف دولية أكبر في المرحلة الراهنة، تجلت في ضغوط أمريكية، ومساع روسية، إلى جانب دور صيني، يهدف في الأساس إلى إنهاء المعارك الدائرة، كخطوة أولى من شأنها العودة من جديد إلى المفاوضات، في سبيل تحريك المياه الراكدة، وهو الأمر الذى سيجد، لا محالة، دعما عربيا قويا، لضمان حقوق الفلسطينيين، عبر حل الدولتين، وتأسيس الدولة الفلسطينية، والتي ربما تسنح أمامها فرصة كبيرة للحصول على مزيد من الدعم والاعتراف الدوليين، من رحم أزمتها الراهنة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة