حالة من التنافس تصل إلى حد الحرب الشرسة، أطلقتها القوى الدولية على خلفية تفشى فيروس كورونا، بدأت مع رهان كل دولة على قدرتها على احتواء الأزمة في الداخل، عبر تقليص أعداد المصابين، مرورا بحرب إنتاج اللقاحات، بين دول الغرب المتقدم، والقوى الصاعدة، على غرار الصين وروسيا، ثم بدأت معارك جديدة تلوح في الأفق حول حملات التطعيم، ناهيك عن حرب المضاربة بين اللقاحات، بين الدول، وهو ما يبدو واضحا داخل دول أوروبا، مع تصاعد الخلافات، والتي لا تقتصر في نطاقها على الفيروس، وإنما تحمل في طياتها خلفيات تنافسية سياسية واقتصادية.
الصراع الجديد حول كورونا، تجلى فى أبهى صوره في حالة أشبه بالمنافسة بين الدول في أوروبا، حول الوصول بالتطعيمات لأكبر قدر من المواطنين، وهو الأمر الذى تتفوق فيه بريطانيا إلى حد كبير، وهو ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نحو الحديث عن قدرة بلاده في تجاوز نسبة التطعيمات التي وصلت إليها بريطانيا في أقرب وقت ممكن، بينما تبقى حالة من الضجر بين عدد من دول المعسكر الغربى، في أوروبا، جراء حالة الإقبال الكبير على اللقاح الروسى "سبوتنيك" في العديد من دول القارة.
ولعل المنافسة حامية الوطيس، ذات الأبعاد المتنوعة، والتي خرجت إلى النور من رحم الفيروس، تحمل العديد من الخلفيات، جراء تنافر التوجهات، مما أدى إلى خلق تحالفات، ولو بصورة جزئية، داخل القارة، تساهم إلى حد كبير في تعميق بذور الانقسام، وهو ما يحمل تداعيات كبيرة على التحالف القديم لدول الغرب، والذى استمر لسنوات تحت القيادة الأمريكية، في ظل رغبة العديد من القوى الأوروبية في استعادة نفوذها الدولى من البوابة الإقليمية، على غرار فرنسا الساعية بقوة نحو قيادة الاتحاد الأوروبى، وبريطانيا التي تسعى لدور قيادى من خارج التكتل القارى.
فلو نظرنا إلى التحركات البريطانية، نجد أن ثمة تقارب مع روسيا، ولد من "رحم" كورونا، وذلك بالرغم من المناوشات التي تشهدها ساحات سياسية أخرى بين البلدين، أخرها قرار لندن برفع ترسانتها النووية، مما أثار حفيظة موسكو، عبر مبادرات من شأنها الخلط بين اللقاح الروسى، ولقاح أسترازينيكا، وهو بريطاني، لمواجهة تحورات الفيروس القاتل، وبالتالي يصبح أكثر قدرة على مجابهة "نسخة" كورونا البريطانية، والتي ظهرت في الأشهر الماضية، والتي يرى البعض عدم فعالية اللقاحات التقليدية في التعامل معها.
التحرك البريطاني، يحمل في طياته ورقة تسعى لندن إلى استخدامها في حالة التضييق عليها من قبل جيرانها الأوروبيين، في ظل المخاوف الكبيرة التي ترتبط بتنامى النفوذ الروسى، وهو ما بدا واضحا في العديد من الشواهد، أبرزها قيام عددا من دول الاتحاد الأوروبى بإجازة لقاح "سبوتنيك"، في ظل فعاليته الكبيرة، ونسب الشفاء التي حققها في الأشهر الماضية، والتي تضاهى اللقاحات الأمريكية والأوروبية، وربما تفوق عليهم في الكثير من الأحيان.
وهنا يمكننا القول بأن حرب اللقاحات الحالية، ليست مجرد معركة بين شركات الأدوية في العالم، في إطار تجارى، من أجل تحقيق المكاسب الاقتصادية، وإنما تجاوز حدود الاقتصاد والمصالح الضيقة لشركة أو مجموعة شركات، إلى نطاق سياسى أوسع، في ظل تحركات هنا أو هناك من شأنها التلويح بالتعاون مع خصوم الغرب التاريخيين، في حالة التضييق، كما هو الحال في النموذج البريطاني، والذى يجابه صعوبات كبيرة، منذ الخروج من الاتحاد الأوروبى، سواء على المستوى السياسى أو التجارى، إلى الحد الذى وصل إلى تهديد المفوضية الأوروبية بمنع تصدير اللقاح البريطاني "أسترازينيكا"، مما يضفى بعدا جديدا على طبيعة المنافسة الدولية في المرحلة الراهنة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة