هل تتخيل عزيزى القارئ إنه من الممكن أن تستيقظ ذات صباح فتجد على أحد جدران بيتك رسمة "جرافيتى" عليها إمضاء بانكسى، ثم تفاجأ بأن هذه الرسمة غير المعروفة قد تم بيعها بالملايين، ستقول لى من هو بانكسى هذا، سأقول لك إننى لا أعرفه تماما كما أن لا أحد غيرنا يعرفه، يمكن أن تعتبره روبن هود العصر الحديث، فالكثير من أعمال الخير مرتبطة باسمه، آخرها تبرعه بـ أكثر من 16 مليون جنيه أسترلينى لمجال الصحة االعامة فى بريطانيا، كما يمكن أن تعتبره فنانا عاديا لكنه أجاد التسويق لنفسه فى زمن يحب الغموض.
فى البداية سأحكى لك موقفا يشرح لك الارتباك الذى نعيشه تجاه شخصية بانكسى، فى عام 2018، فبينما كان الناس فى دار سوثبى للمزادات العالمية، ينتظرون بيع إحدى لوحاته وعنوانها "فتاة مع بالونة" "بانكسى" وعندما أعلنت الدار أن البيع تم بـ 1.37 مليون دولار مزقت اللوحة نفسها، فى واحدة من أشهر "مقالب" الفنان البريطانى المجهول، وقد حاولت أن أفهم الغرض من وراء هذه الفعلة، لكن ذلك لم يتضح تماما.
ولو استعرضنا عدد الأعمال الفنية التى أبدعها بانكسى سنجدها كثيرة، ولو استعرضنا المعلومات حوله سنجدها قليلة، لقد حاول كثيرون البحث عن "بانكسى" منذ البداية، منذ أعلن عن نفسه بـ لوحاته، ففى عام 2008 قالت صحيفة "ميل أون لاين" بالقول إن اسمه الحقيقى هو روبن بانكسى، وأنه كان يعمل جزاراً في بداية حياته، وآخرون يقولون إن عائلته تجهل أنه يملك وجهاً خفياً بصفته فناناً، ومنهم من يذهب إلى أبعد من ذلك، ليقول إن "بانكسى" ليس إلا مجموعة من الفنانين.
وفى سنة 2016 قام مجموعة من الأكاديميين والباحثين بتتبع أعمال "بانكسى" ومقارنتها للوصول إلى شخصيته الحقيقية، مستخدمين أسلوب البحث عن المجرمين، من خلال تقنية "التشخيص الجغرافى"، التى تستخدم عادة فى الكشف عن الجرائم، وذلك من خلال البحث ودراسة المواقع، فقد اختار العلماء 140 عملا عائدا لهذا الرسام فى شوارع لندن وبريستول، شكلت مجموعات اتضح أنها ترتبط ببارات وملاعب لكرة القدم وبعناوين منازل سكن فيها الرسام أو زارها مرات كثيرة، وتوصلوا إلى أن "بانكسى" هو روبين كانينهام خريج إحدى المدارس الخاصة فى بريستول، ولكن ذلك غير مؤكد.
وطوال الوقت تخرج علينا أخبار القبض على بانكسى، متلبساً بجريمة التلوين، بعد نصب كمين له أو مراقبة المنطقة التى يرسم فيها، ليتبين بعدها خطأهم، ومن جملة أخطائهم أنهم قبضوا عام 2015 على فنان بجوار جدارية بانكسى، مؤكدين هويته، وذلك بسبب وجود قلم تلوين فى جيب الشاب ريتشارد بفايفر، الذى كان برفقة خطيبته، قبل أن يتبين خطأهم.
بالطبع سوف تستوقفك كثيرا الأرقام الكبيرة التي تباع بها أعمال بانكسى، ومؤخرا، باع لوحته المعروضة فى مزاد كريستيز، التى تعبر عن العاملين بالصحة فى بريطانيا خلال جائحة كورونا بمبلغ 16.8 مليون جنيه إسترلينى، بعدما كان السعر المتوقع لها 2.5 مليون فقط، ومن قبل حققت لوحة "البرلمان المتطور" للفنان البريطانى " فى مزاد علنى، مقابل 10 مليون دولار، وهى أرقام ضخمة بالفعل، وقد يكون مبالغ فيها.
المهم، أننى حتى الآن ورغم الغموض الذى يحيط بشخصية بانكسى إلا أننى معجب بها، سواء أكان روبن هود العصر الحديث، أم فنان عادى استغل حب الناس الغموض.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة