نحن لا نعرف الكثير عن المهاجرين إلى الحبشة، وربما سنفاجأ لو علمنا بالتاريخ الذى عادوا فيه من هناك وذهبوا إلى المدينة المنورة، فما الذى يقوله التراق الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "ذكر قدوم جعفر بن أبى طالب ومسلمو الحبشة المهاجرون":
قال البخارى: حدثنا محمد بن العلاء، ثنا أبو أسامة، ثنا يزيد بن عبد الله بن أبى بردة، عن أبى بردة، عن أبى موسى، قال: بلغنا مخرج النبى ﷺ ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لى أنا أصغرهم، أحدهم أبو بردة، والآخر أبو رهم، إما قال فى بضع، وإما قال فى ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلا من قومى.
فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشى بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبى طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا، فوافقنا النبى ﷺ حين افتتح خيبر، فكان أناس من الناس يقولون لنا - يعنى لأهل السفينة - سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عميس - وهى ممن قدم معنا - على حفصة زوج النبى ﷺ زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشى فيمن هاجر.
فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال حين رأى أسماء: من هذه؟
قالت: أسماء ابنة عميس.
قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟
قالت أسماء: نعم.
قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله ﷺ منكم.
فغضبت وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله ﷺ يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا فى دار - أو فى أرض - البعداء والبغضاء بالحبشة، وذلك فى الله وفى رسول الله ﷺ، وأيم الله لا أطعم طعاما، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت للنبى ﷺ وأسأله، والله لا أكذب، ولا أزيغ، ولا أزيد عليه.
فلما جاء النبى ﷺ قالت: يا نبى الله إن عمر قال كذا وكذا، قالت: قال: «فما قلتِ له؟".
قالت: قلت: كذا وكذا.
قال: "ليس بأحق بى منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان".
قالت: فلقد رأيت أبا موسى، وأهل السفينة، يأتونى أرسالا يسألونى عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم فى أنفسهم، مما قال لهم النبى ﷺ.
قال أبو بردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني.
وقال أبو بردة: عن أبى موسى، قال النبى ﷺ: «إنى لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أرَ منازلهم حين نزلوا بالنهار، ومنهم حكيم بن حزام، إذا لقى العدو - أو قال الخيل - قال لهم إن أصحابى يأمرونكم أن تنظروهم».
وهكذا رواه مسلم، عن أبى كريب وعبد الله بن براد، عن أبى أسامة به.
ثم قال البخاري: قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا حفص بن غياث، ثنا يزيد بن عبد الله بن أبى بردة، عن أبى موسى، قال: قدمنا على النبى ﷺ بعد أن افتتح خيبر، فقسم لنا ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا.
تفرد به البخارى دون مسلم.
ورواه أبو داود، والترمذي، وصححه من حديث يزيد به.
وقد ذكر محمد بن إسحاق أن رسول الله ﷺ بعث عمرو بن أمية الضمرى إلى النجاشي، يطلب منه من بقى من أصحابه بالحبشة، فقدموا صحبة جعفر، وقد فتح النبى ﷺ خيبر.
قال: وقد ذكر سفيان بن عيينة، عن الأجلح، عن الشعبي، أن جعفر بن أبى طالب قدم على رسول الله ﷺ يوم فتح خيبر، فقبَّل رسول الله ﷺ بين عينيه والتزمه، وقال: "ما أدرى بأيهما أنا أُسر، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟".
هكذا رواه سفيان الثورى عن الأجلح، عن الشعبى مرسلا.
وأسند البيهقى من طريق حسن بن حسين العرزمي، عن الأجلح، عن الشعبي، عن جابر قال: لما قدم رسول الله ﷺ من خيبر، قدم جعفر من الحبشة، فتلقاه وقبَّل جبهته، وقال: «والله ما أدرى بأيهما أفرح، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟».
ثم قال البيهقي: حدثنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا الحسين بن أبى إسماعيل العلوي، ثنا أحمد بن محمد البيروتي، ثنا محمد بن أحمد بن أبى طيبة، حدثنى مكى بن إبراهيم الرعيني، ثنا سفيان الثوري، عن أبى الزبير، عن جابر، قال:
لما قدم جعفر بن أبى طالب من أرض الحبشة، تلقاه رسول الله ﷺ، فلما نظر جعفر إليه حجل - قال مكي: يعنى مشى على رجل واحدة - إعظاما لرسول الله ﷺ، فقبَّل رسول الله ﷺ بين عينيه، ثم قال البيهقي: فى إسناده من لا يعرف إلى الثوري.
قال ابن إسحاق: وكان الذين تأخروا مع جعفر من أهل مكة، إلى أن قدموا معه خيبر ستة عشر رجلا، وسرد أسماءهم، وأسماء نسائهم وهم:
جعفر بن أبى طالب الهاشمي، وامرأته أسماء بنت عميس، وابنه عبد الله ولد بالحبشة، وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، وامرأته أمينة بنت خلف بن أسعد، وولداه سعيد وأمه بنت خالد، ولدا بأرض الحبشة، وأخوه عمرو بن سعيد بن العاص، ومسعيب بن أبى فاطمة، وكان إلى آل سعيد بن العاص.
قال: وأبو موسى الأشعري، عبد الله بن قيس حليف آل عتبة بن ربيعة، وأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد الأسدي، وجهم بن قيس بن عبد شرحبيل العبدري، وقد ماتت امرأته أم حرملة بنت عبد الأسود بأرض الحبشة، وابنا عمرو، وابنته خزيمة، ماتا بها رحمهم الله، وعامر بن أبى وقاص الزهري.
وعتبة بن مسعود حليف لهم من هذيل، والحارث بن خالد بن صخر التيمي، وقد هلكت بها امرأته ريطة بنت الحارث رحمها الله، وعثمان بن ربيعة بن أهبان الجمحي، ومحمية بن جزء الزبيدى حليف بنى سهم، ومعمر بن عبد الله بن نضلة العدوي، وأبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس، ومالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس العامريان، ومع مالك هذا امرأته عمرة بنت السعدي، والحارث بن عبد شمس بن لقيط الفهري.
قلت: ولم يذكر ابن إسحاق أسماء الأشعريين الذين كانوا مع أبى موسى الأشعري، وأخويه أبا بردة، وأبا رهم، وعمه أبا عامر، بل لم يذكر من الأشعريين غير أبى موسى، ولم يتعرض لذكر أخويه، وهما أسن منه، كما تقدم فى صحيح البخاري، وكأن ابن إسحاق رحمه الله لم يطلع على حديث أبى موسى فى ذلك، والله أعلم.
قال: وقد كان معهم فى السفينتين نساءٌ من نساء من هلك من المسلمين هنالك، وقد حرر ها هنا شيئا كثيرا حسنا.
قال البخاري: حدثنا على بن عبد الله، ثنا سفيان، سمعت الزهري، وسأله إسماعيل بن أمية قال: أخبرنى عنبسة بن سعيد، أن أبا هريرة أتى رسول الله ﷺ وسأله - يعنى أن يقسم له - فقال بعض بنى سعيد بن العاص: لا تعطه.
فقال أبو هريرة: هذا قاتل ابن قوقل.
فقال: واعجبا لو بر تدلى من قدوم الضال.
تفرد به دون مسلم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة