فى مشهد اعتزاز وانتصار للغة العربية، طالب المستشار حنفى جبالى رئيس مجلس النواب خلال رئاسة الجلسة العامة النواب، أمس الأربعاء، بمراعاة الحديث باللغة العربية، وهذا بعدما رددت إحدى النائبات كلمة "كوالتى" أثناء حديثها الموجه لوزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر، ولم يكتف بهذا، بل وجه بحذف هذه الكلمة الأجنبية من المضبطة على أن يتم وضع ترجمتها باللغة العربية "الجودة"، وهذا يعكس حرص رئيس المجلس على حماية اللغة الأم.
ويعد هذا المشهد أيضا، رسالة لنواب الأمة، بأن دورهم فى الحفاظ على اللغة العربية أكبر وأعظم من غيرهم، وخاصة أن من أبسط حقوق الرأى العام المصرى أن يخاطب بلغته، كما يخاطب الرأى العام الأمريكى بلغته وكما يخاطب الرأى العام الفرنسي أو الرأى العام بألمانيا بلغته، إضافة إلى الحفاظ على هوية اللغة تعد مسألة أمن قومى، وكونهم جهة تشريعية فى النهاية.
وخاصة أن اللغة العربية بالفعل تواجه فى أيامنا هذه أشد التحديات، بعد أن هجرها بعض أبنائها، وأصبح البعض يتفاخر بالتحدث باللغات الأجنبية، من غير أن يدرك ما يقترفه من جرم، معتقدا أن التحدث بلغة أجنبية مقياس للرقى والتحضر، إضافة إلى أن كثيرًا أيضا يحرص على أن يتعلم الأبناء اللغة الأجنبية بل وتكون وسيلة التحدث الرئيسية فيما بينهم سواء فى البيت أو فى المدرسة أو خارجها، وهذه الظاهرة للأمانة آخذة فى الاتساع، رغم ما تنطوى عليه من مخاطر كبرى تهدد لغة الضاد.
ولهذا.. يجب علينا جميعا أن نعلم أن اللغة هي الرابطة الرئيسية التي تربط بين أبناء الوطن الواحد، إضافة إلى أهميتها ودورها الحيوى فى حفظ التراث، ودورها أيضا فى ربط الحاضر بالماضى، لأن الحفاظ على التراث وعلى التاريخ هو حفاظ على الهوية، وإن الأمم المتقدمة التي تعتز بكيانها تجدها حقا تعتز بلغاتها، ولا ترضى بغيرها بديلاً، والأمثلة على ذلك كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
ورغم عظمة الحفاظ على اللغة الأم، علينا أيضا أن نعلم، أن تعلم اللغة الأجنبية والتمكن منها، أمر لا خلاف حول أهميته، فتعلم اللغات الأجنبية أمر مهم وضرورى لمواكبة الحضارة، وتعلمها ضرورة حتمية لمواكبة الثورة التقنية الحديثة التى تقود العالم، إلا أن ذلك يجب أن يتم فى إطار مناسب وبالطريقة التربوية الصحيحة، ولا يكون أبدا على حساب اللغة الأم.
وأخيرا.. فلن نجد أفضل مما قاله الأديب الكبير، مصطفى صادق الرافعى، نختتم به مقالنا هذا، "ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلّ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرض الأجنبيّ المستعمر لغته فرضاً على الأمّة المستعمَرة، ويركبهم بها، ويُشعرهم عظمته فيها، ويستلحِقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً في عملٍ واحدٍ: أمّا الأول فحَبْس لغتهم في لغته سجناً مؤبّداً، وأمّا الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً، وأمّا الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ".. ولهذا نطالب مجلس النواب مواصلة حماية لغتنا، وتمرير قانون حماية اللغة العربية الذى تقدم به مجمع الخالدين، لضمان سير أمور اللغة وحمايتها للأفضل..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة