لاشك أن الشعب المصري يعتز بنجومه الكبار، خاصة إذا تعرض أحدهم لنوع من الغبن أو جار عليه أحد حتى ولو كان أحد أبنائه، لذا تعاطف كثيرون مع الفنان الكبير والقدير (رشوان توفيق) في أزمته الكبيرة، وبغض النظر عن حقيقة المشكلة بينه وبين ابنته فإن تقديره واحترامه زاد أكثر عندما خرج على الناس فأبكاهم، خاصة عندما قال: منحت حياتي لأولادي، وقمت بتقسيم الميراث بينهم منذ فترة، ولا أملك الآن إلا فضل الله وتليفون محمول صغير، لهذا فأنا أثق في عدالة القانون.
لقد تأثر الجمهور المصري على اختلاف أشكاله وطبقاته عندما أشار الفنان القدير إلى أن ابنه (توفيق) توفي عام 2000، وقبل موته جاءه في المنام هاتف صحاه وقال له (توفيق) ابنك مات، وقال: وقبل موت (توفيق) شاهد هو أيضا رؤيا وجاء له أجداده في المنام قالوا له تعالى عشان تشوف الناس الحلوة والنبي (صلى الله عليه وسلم)، وعقبت الإعلامية (الدكتورة هبة رشوان)، ابنة الفنان الكبير، قائلة: عندما حكى لي (بابا) لم أصدقه، وقلت له يا (بابا) ربنا لم يعط ميعاد الأجل لحد، وفعلا بعدها بشهر توفي أخي (توفيق).
وراذ تقدير الجمهور أكثر وأكثر بصدقه وصفاء سريرته، وصدقه في قوله إنه شاهد السيدة (مريم) في المنام وكانت تبتسم له، وكان لديه صديق مسيحي يقول له لماذا شاهدتها أنت ولم أشاهدها أنا؟، فرد عليه أنه يحبها ويبكي عندما يقرأ سورة مريم، وأيضا في كشفه عن أنه شاهد أيضا سيدنا (إبراهيم) في المنام وكان جالسا على سجادة الصلاة بيسبح ويرتدي جلابية فلاحى، فسأل مين ده؟ فرد عليه منادى: ده خليل الله إبراهيم، كما رأي النبى (محمد صلى الله عليه وسلم) مرتين، الأولى في زى رجل أزهري، ويجلس على كرسي عالي، وحوله طلاب يستمعون له ويتعلمون الدين، والثانية شاهده بشكل واضح، كما شاهد أيضا سيدنا عيسى، وكان (زى القمر في السماء)، ويرتدي جلباب واسع، لكن لم يشاهده بوضوح، فلما صحى قال لابنته هبه أنه رأى سيدنا عيسى لكن مش بوضوح، وبالليل جاء له في الرؤية بوضوح.
ولا تزال حتى لحظة الكتابة قصته الدرامية التي تجنح نحو التراجيدية الإنسانية حديث السوشيال ميديا بسبب تأثر الجمهور بتلك القصته التي تشبه أحد الأعمال حول جحود الأبناء التي قام بها في رحلته الطويلة، ولعل سبب التعاطف الجماهيري معه لأن ملامح وجهه تحمل الطيبة والحنان، والبراءة تبدو في عينيه كلما التقتيه في مكان أو شاهدت طلته على الشاشة الصغيرة والكبيرة، فوجهه السمح يبعث في القلب الطمأنينة وصوته الهادئ وكلامه الذي ينطق نصفه قرآن كريم أو أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم تضفى عليه لمسة صوفية محببة، وهو فوق ذلك فنان مبدع له تاريخ محترم راق لم يدنسه بمشهد واحد فقط خارج عن السياق، وفي أدواره المتنوعة على مستوى الشخصيات والأحداث تألق سواء في بداياته في شبابه أو مع تقدمه في العمر، وقدم مسيرة فنية طويلة، قوامها الاجتهاد، وحياة أسرية مليئة بالمواقف الصعبة التي تخطاها بثبات.
رشوان توفيق فنان لم يختلف عليه أحد في موهبته وحضوره، وفي أخلاقه حدث ولا حرج، فالكبير قبل الصغير من مختلف الأجيال التي سبقته والتي عاصرته والتي تلته وتليه كلها تقف له احتراما وتقديرا وحبا، لذا فهو الفنان الوحيد في تاريخ الفن العربي الذي أحبه الناس من أجله هو قبل فنه، وتمتع بالشهرة الواسعة حبا فيه أكثر من إعجابا بأعماله وأن كانت عظيمة، فلم يحظ فنان باحترام ومحبة الملايين من مختلف الأجيال والأعمار مثلما حظي به الفنان المصري القدير (رشوان توفيق) ليس من أجل فنه بل حبا خالصا لله، حتى الفنانين .. كبار الفنانين وقفوا له إجلالا واحتراما.
ولعل جانبا من هذا الاحترام ظهر عندما وقفت له فاتن حمامة كى تسلم عليه، ورمى عمر الشريف السيجارة لحظة ما رآه، وأول من اتصلت به شادية بعد اعتزالها الفن وارتدائها الحجاب، حج على يده لأول مرة فريد شوقي، وكلما رآه عادل إمام يقبل جبينه، ولم يدخل على أحمد زكي في مرضه الأخير إلا (رشوان توفيق)، كل فنان كبير أو صغير يراه يقول له: (ادعيلي يا حاج رشوان)، وعرف عنه بأنه يمثل نفسه في الطبيعة، فهو هو الرجل الطيب ابن الأصول المتدين الملتزم المحب للآخرين، فكانت أدواره هى حياته وعندما تمرد على هذه الأدوار ليقدم أدورا فيها بعض الشر نجح فيها، ولكن لم يتقبله الجمهور فسرعان ما عاد لطبيعته البسيطة من جديد.
اشتهر عن الحاج (رشوان توفيق) كما يطلق عليه كل من يعرفه من أبناء مهنته ومحبيه، أن التصوير يقف تماما وقت الصلاة، ويقوم هو بإمامة المصلين في الاستوديو، ولا يستطيع أحد أن يفعل عكس ذلك حبا في الحاج (رشوان) الذي ملأ قلوب من يتعامل معه حب وإيمان، وخاصة عندما اشتهر عنه رؤيته الأنبياء في منامه، وكان يبكي كثيرا كلما رأى هذه الرؤى حتى إنه ذهب لأحد مشايخ الأزهر الكرام فبشره بالخير في الدنيا والآخرة أن شاء الله.
التف حوله المشاهدين من مختلف الأعمار خلال أعماله المسرحية والسينمائية طوال القرن الماضي، قبل أن يميل إلى الأعمال التليفزيونية، وقد اشتهر بالفعل في تقديم جميع الأدوار الدرامية، منها (الشرير والصعيدي والاجتماعي والديني)، حتى أنه احتكر الأدوار الدينية في مسلسلات الموسم الرمضاني خلال فترة بارزة في تاريخ الدراما المصرية، منها (الشيخ زهران) في (الضوء الشارد)، و(رشوان توفيق) حتى وإن لم يكن من نجوم الصف الأول، وقليل الحظ السينمائي، كان أحد المؤسسين لاتحاد الإذاعة والتلفزيون وأيضا مسرح التلفزيون.
في حي السيدة زينب ولد (رشوان توفيق)، وترجع جذوره لمحافظة بني سويف، وكان شاب ذو وجهه بشوش جميل يتصف بالأدب والاحترام، وحصل على درجة البكالوريوس في التمثيل والإخراج من المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان من دفعته بين الفنانين (عبد الرحمن أبو زهرة، وعزت العلايلي)، ومن حسن حظه بعد التخرج أسند له العمل في التليفزيون المصري منذ إنشائه وعمل مدير استوديو، ثم مساعد مخرج حيث عمل مساعدا للمخرج (كمال ابو العلا) في إحدى البرنامج الحوارية (من الجاني)، وكان ذلك جراء دعاء والديه وزوجته التي تزوج بها قبل تخرجه بثلاث سنوات من المعهد، ثم تقدم لاختبار المذيعين ونجح في جميع الاختبارات ليصبح مذيعا، حتى ينطلق من الشاشة إلى مجالات فنية أوسع، حيث قدم برنامج شبابي حاز نجاحا باهرا، ثم انضم إلى فرق التليفزيون المسرحية مع بدايتها، وشارك في هذه الفترة في بطولة عدد كبير من المسرحيات .
انضم (رشوان توفيق) مع فرقة مسرح الحكيم وفرقة المسرح الحديث وفرقة المسرح القومي، وبعد سنوات طويلة من العمل المسرحي تفرغ للعمل في الدراما التلفزيونية منذ أواخر السبعينات تقريبا، وأصبح يقدم كل جديد من مسلسلات دينية ودرامية، وتعد بدايته الحقيقية اشتراكه في مسرحية (شئ في صدري)، إخراج نور الدمرداش، وكان في نفس الوقت يخرج برنامج (من الجاني)، وضم إليه المشاركة السينمائية في عدة أدوار، وتميز وأبدع في دور الصعيدي رغم صوته الهادي وملامحة البريئة، تماما كما كان في (الضوء الشارد)، حيث جسد شخصية الشيخ الصعيدي المتدين، وفي (الليل وآخره) قدم الرجل الصعيدي الوارد لمصر ومعه أولاده وهو لا يملك قوت يومه، وكافح وعمل هو وولده الأكبر وكون ثروة وقام بتعليم أولاده في أكبر المراكز، وشارك أيضا في عدد من المسلسلات التاريخية ومنها مسلسل (سليمان الحلبي)، وغيرها من المسلسلات الأخرى.
قدم رشوان توفيق أدوارا خالدة للتليفزيون المصري منها (الشهد والدموع، ولن أعيش في جلباب أبي، وأم كلثوم)، ولمع في الأعمال الدينية، وخاصة دور (الراعي) في مسلسل (عمر بن عبد العزيز)، وبعد تقديمه لأكثر من دور ديني أصبح معروفا عنه في الوسط الفني أنه صوفي، وأصبح المخرجين يختارونه في الأدوار الدينية، ومع ذلك يحب رشوان توفيق كثيرا تلك الأدوار الاجتماعية التي قدمها في مسلسلات مختلفة ومنها مسلسل (أين قلبي) مع يسرا، كما يحب مسلسل (الليل وآخره)، ويحكي أن البعض لم يكن يتوقع له النجاح في هذه الأدوار، خاصة بعد الأدوار الدينية التي قدمها، لكنه لمع فيها وهو في سن كبير، ولمع اسم (رشوان توفيق) أيضا بين كل الأجيال وحتى الآن بالأدوار الدينية فى عدد من المسلسلات الشهيرة، منها: (شروق الإسلام، محمد رسول الله، القضاء فى الإسلام) ولإتقانه اللغة العربية وصدقه فى الأداء والحضور، فإنه لا يخلو عمل تاريخى من اسمه أبرزها مسلسل (أبوحنيفة النعمان)، ومنهما تقلد أدوارا مهمة فى مسلسلات اجتماعية مثل (ضمير أبلة حكمت) وغيرها من أعمال اجتماعية.
وتفرغ (رشوان توفيق) للعمل في الدراما التليفزيونية منذ أواخر السبعينات، ولكن كانت كل أدواره هادفة وأداها بنجاح مثل (أبنائي الإغراء شكرا ، الأيام ، محمد رسول الله ، الزيني بركات، ولن أعيش في جلباب أبي)، ومن أقواله في هذا المجال: ماليش حظ في السينما لأني مش اجتماعي، لذلك لم تكن لي أعمال سينمائية كثيرة، وشارك السندريلا سعاد حسني في فيلم (نادية)، ويقول عنها إنها إنسانه جميلة وفنانة شاملة، لا تقل عبقرية عن فاتن حمامة، وكان الفيلم الوحيد الذي قام ببطولته هو فيلم (الجزاء)، مع حسين الشربيني وشمس البارودي، وشارك في فيلم (بين عمرين)، أمام سيدة المسرح سميحة أيوب، إخراج نور الدمرداش، وقصة فيصل ندا، وشارك السيدة سميحة أيوب أيضا مسرحية رابعة العدوية، وعمل تحت قيادتها كمديرة لمسرح السلام وفي المسرح القومي.
في حياة (رشوان توفيق) الإنسانية والفنية حكايات ومفارقات ومواقف كثيرة ينبغى أن تحكى ومنها أولا : حكاياته الإنسانية وأهمها حكاية مع بعض الزملاء، عندما سافر مع وحش الشاشة الفنان فريد شوقي لأداء فريضة الحج، ويقول رغم قوته وكونه وحش الشاشة، كان يخاف أن ينام وحده في الغرفة، وكان ملاكا مثل الأطفال، ومثله رشدى أباظة فكانت شقته مليئة بلعب الأطفال، ويقتني اللعب لنفسه ويقول أنها لابنته، فهم كانوا أصدقائه، لم يكن يتوقف عن الضحك وهو في مجلسهم ، كما كان يجمعه ارتباط روحي مع الفنان شكري سرحان، عندما رآه في رؤية أثناء نومه وهو يحمل قربة ماء على ظهرة ويسقي الناس، واستيقظ من نومه باكيا وهو يسأل: رشوان أحسن مني ليه وفسر هذه الرؤية بأنه قريب إلى الله حتى حدث موقف معين فسر له هذا.
وعن الفنانة سميحة أيوب، يحكي قائلا: (إلى جانب قدراتها العبقرية فى التمثيل تتمتع بقدر عال من الإنسانية وأعتبرها ملكة المسرح العربى، وشاركتها مسرحية رابعة العدوية، وعملت تحت قيادتها كمديرة لمسرح السلام وفى المسرح القومى، وكانت تقدر ظروف الفنانين الإنسانية وتحترم أعضاء فرقتها)، وفي النهاية نتمنى الصحة والعافية لشيخ الفنانين المتصوفة (رشوان توفيق)، ونقدم له خالص التحية والتقدير على مجمل أعماله وعطائه الفني الذي يضيئ وسيظل يضئ الشاشة بنورانية صدقه الفني وشفافية روحه التواقة للإيمان والسياحة في رحاب المولى عز وجل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة