في الوقت الذى تتحرك فيه "الجمهورية الجديدة"، نحو تحقيق التنمية، بأبعادها المختلفة، سواء التقليدي، عبر تحقيق معدلات نمو اقتصادي كبيرة، أو بمفهومها الشامل، من خلال اقتحام عناصر مجتمعية، سواء فئات أو مناطق، عانت من التهميش لعقود طويلة من الزمن، دون إهمال لجانب الاستدامة، عبر الاهتمام بالأبعاد البيئية وتطوير الاقتصاد الأخضر، باعتباره أحد متطلبات الحقبة الدولية الجديدة، ناهيك عن الاهتمام الملموس بتطوير الجوانب التعليمية والصحية، نجد أن ثمة تحركات أخرى، ارتكزت عليها الإدارة المصرية، في السنوات الأخيرة، تقوم على استكشاف الفرص الجديدة، التي من شأنها دفع الدولة المصرية إلى الأمامـ تزامنا مع ما يمكننا تسميته بـ"إحياء" الإرث، عبر تطويره ليكون متواكبا مع الواقع الحالي، لنجد أنفسنا أمام حالة من التنمية الممزوجة بالعراقة.
نهج"إحياء الإرث" ربما تجلى في أبهى صورها في حرص الدولة المصرية على استدعاء التاريخ القديم، عبر حفلات فرعونية خالصة، أظهرت عظمة الأجداد، بهدف إلهام الأحفاد، سواء خلال حفل افتتاح طريق الكباش بالأقصر، أو قبل ذلك، عند نقل المومياوات الملكية، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لرؤية الدولة القائمة على استعادة مجد الماضي، ناهيك عن التذكير بالقيمة والقامة التي تحظى بها مصر، على مر التاريخ، ليكون استعادة مجد الأجداد هو السبيل الذى يمكن من خلاله صياغة المستقبل، عبر دور بارز على المستوى الدولى، أعاد مصر للريادة الإقليمية، تزامنا مع إعادة البناء في الداخل.
ولعل استلهام الماضي المجيد، لم يقتصر في رؤية "الجمهورية الجديدة"، على مجرد مشاهد تلفزيونية في حفلات أسطورية، وإنما صار ملموسا في الواقع، عبر سياسات واضحة، في الداخل، تقوم على تنويع مصادر التنمية الاقتصادية، عبر استحداث بعضها، على غرار تطوير قطاع الطاقة، عبر استكشاف حقول الغاز الطبيعي، والعمل على تطويرها، والتعاون بشأنها مع المحيط الدولى والإقليمي، وصولا إلى تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، لتصبح مصر مركزا لسوق الغاز في منطقة الشرق الأوسط، في نقلة كبيرة في مسار الاقتصاد المصري، بينما يقوم المسار الأخر على فكرة "إحياء" المصادر القديمة، والتي تمثل أساسا لا يمكن الاستغناء عنه، على غرار الاهتمام الكبير بقطاع الزراعة، والمرتبط أساسا بالماضى السحيق، حيث يبقى "طمي" النيل أحد أساسات الحضارة العريقة التي بناها المصري القديم، منذ ألاف السنين، بينما كانت الزراعة هي الأساس الذى اعتمدت عليه مصر لعقود طويلة من الزمن لتحقق الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بالغذاء.
الاهتمام بالزراعة، ارتبط في عقل "الجمهورية الجديدة"، باستصلاح مساحات من الصحراء، بأليات حديثة، ناهيك عن حماية الأراضى التي غزاها العمران في مئات القرى من ريف مصر، في انعكاس صريح لإدراك الدولة المصرية بأهمية هذا القطاع، من نواح عدة، ترتبط في جوهرها بالتنمية، أولها تعزيز الإنتاج الغذائي، وتقليل فاتورة استيراد المواد الغذائية، بينما يبقى تعزيز البيئة عبر زيادة مساحة الرقعة الخضراء، بعدا ثانيا يرتبط بالتنمية المستدامة، في حين يقوم البعد الثالث على إحياء بعدا تاريخيا هاما في الاقتصاد المصري.
الأمر لا يقتصر على الزراعة، وإنما يمتد إلى إحياء مؤسسات أخرى، ربما صارت جزءً من الماضي، عبر تحديثها، لإعادتها إلى الحاضر، وتأهليها للمستقبل، عبر استراتيجية تقوم على الدمج، بعدما تعرضت لخسائر كبيرة لعقود طويلة من الزمن، على غرار شركات صيدناوى وبيع المصنوعات وريفولي وغيرهم، وهي شركات تعود إلى القرن الـ19، ثم تم تأميمها بعد ذلك، وهو ما يعكس رؤية تقوم على فكرة استغلال كافة الموارد المتاحة، والقابلة للتطوير لمواكبة معطيات الحاضر، من أجل التقدم لخطوات كبيرة للأمام.
وهنا يمكننا القول بأن الفكر الذى تعتمده الدولة المصرية، في البناء، لا يقتصر على مجرد استحداث الرؤى الجديدة، واستكشاف الفرص المهملة، وإنما أيضا إحياء، أو بمعنى أدق "إعادة تدوير" المصادر التقليدية، التي طالما اعتمدها المصريين في تحقيق النمو الاقتصادي في الماضي، بينما اعتراها الإهمال والتقصير لعقود طويلة، وهو ما يعكس انسجاما صريحا بين رسائل الدولة المصرية وسياساتها، ورؤيتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة