حالة من الانسجام والتناغم، باتت تحظى بها السياسات المصرية، سواء فيما يتعلق بالداخل أو الرؤية الدولية، في مختلف الملفات والقضايا، لتقدم نموذجا لنهج يعتمد في الأساس على خدمة مصلحة المواطن، باستخدام كافة الأدوات المتاحة، وعلى رأسها الدبلوماسية، بعيدا عن فكرة المصالح التقليدية، التي طالما اعتمدتها أنظمة الحكم، ليس فقط في منطقتنا، وإنما في مناطق كثيرة حول العالم والقائم على حماية بقاء السلطة داخل فئات معينة أو أحزاب بعينها أو حتى في أطر أيديولوجية ثابتة، بعيدا عن المصلحة العامة للشعوب، عبر صفقات أبرمتها مع الولايات المتحدة، تضمن لها البقاء على عرش النظام الدولى، مقابل تقديم الدعم للقوى التي تدور في فلكها، مما يضمن بقاء حكامها.
ولعل البعد المصلحى للأنظمة، وليس للدول، لم يقتصر على الدول النامية، وإنما امتد إلى ما يسمى بـ"دول العالم الأول"، وخاصة في أوروبا الغربية، حيث يبقى مشهد السلطة في القارة العجوز، لحوالي ثلاثة عقود كاملة، بمثابة "دعوة للتأمل"، في اقتصار الحكم على حفنة معينة من الأحزاب، ذات الأيديولوجيات المتقاربة القائمة على الفكر الليبرالى الرأسمالى، والتي يمكنها تطبيق نفس الرؤى التي تتبناها واشنطن، بينما تختلف عن أقرانها من "العالم الثالث" في اختلاف "وجوه" الحكام، وهو الأمر الذى ربما فشل مع بعض الشخصيات، نظرا لكفاءتهم الكبيرة في إدارة دفة الأمور، بالشكل الذى يحقق مصالح ما يسمى بـ"المعسكر الغربى"، على غرار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي قبعت على عرش المستشارية في برلين منذ أكثر من 16 عاما، وهو ما يعد مدة طويلة جدا طبقا للأعراف السائدة في الديمقراطية، والتي غالبا ما تعتمد فترات محددة للحكام، لا تتجاوز مدتين في بعض الأحيان.
وهنا كان الترويج للديمقراطية متعارضا في الكثير من الأحيان مع سياسات وتوجهات تدور في جوهرها حول الاستئثار بالسلطة، وإن كانت الصورة تبدو متحضرة، بينما كان الثمن في المقابل تقديم الكثير من التنازلات، تقوم على مبدأ "الأيديولوجية أولا"، بعيدا عن مصلحة المواطنين، وهو ما تجلى على سبيل المثال على الدعم الكبير الذى قدمته الأنظمة الحاكمة في أوروبا، على سبيل المثال، لسياسة الحدود المفتوحة، والتي تضرر بسببها قطاع كبير من مواطني الدول، خاصة في أوروبا الغربية، بسبب تقويض فرصهم في العمل، لصالح المهاجرين القادمين من الدول الأخرى، والذين تقاضوا أجورا أقل، ناهيك عن خلق تهديد أمنى كبير إثر تسلل عناصر متطرفة، إلى أراضيهم، مما أدى إلى تنامى وتمدد ظاهرة الإرهاب، والتي طالت الجميع، بدون استثناء أو تمييز.
إلا أن الانسجام يبدو أحد أهم سمات السياسات التي تتبناها مصر، في "الجمهورية الجديدة"، في ظل حالة من التناغم بين سياسات الداخل، وأهدافه، من جانب، والدبلوماسية التي تتبناها في علاقتها بمحيطها الدولى والإقليمى من جانب أخر، وهو ما يقدم دليلا دامغا على تقديم مصلحة المواطن، والتي تحمل في طياتها الكثير من الأبعاد، سواء الأمنية أو الاقتصادية أو الثقافية، ناهيك عن مكانة مصر الدولية، والتي تساهم بصورة كبيرة في إعلاء شأن المواطن، سواء بالخارج أو الداخل.
تتجلى حالة الانسجام السياسى لدى مراكز صناعة القرار في مصر، على سبيل المثال في القرار الأخير الذى اتخذه الرئيس عبد الفتاح السيسى، بعدم تمديد حالة الطوارئ، والتي تزامنت مع زيارة هامة يقوم بها رئيس الوزراء مصطفى مدبولى إلى باريس، لتشجيع رجال الأعمال والشركات الفرنسية، للاستثمار في مصر، وذلك بعد طفرة كبيرة تحققت في مجال البنية التحتية، تساهم بلا أدنى شك في دفع عجلة التنمية، وهو ما يعكس حقيقة مفادها أن القرار، في أحد جوانبه، هو رسالة طمأنة للمستثمرين، لاقتحام السوق المصرى.
إلغاء الطوارئ ليس المشهد الوحيد، بينما حملت السنوات الماضية مشاهد أخرى تدور في نفس الإطار، لعل أبرزها التركيز على دبلوماسية "إعادة الإعمار" في الدول التي عانت تداعيات الفوضى خلال السنوات الماضية، والسعى إلى تحقيق التعاون في مجال التنمية الاقتصادية، عبر تحالفات جديدةـ تقوم على الشراكة، مع دول صاعدة بقوة، على غرار اليونان وقبرص، وهو ما يتماشى مع الخط السياسى الداخلى، والقائم على تعزيز مفهوم التنمية الاقتصادية، وترسيخ مبدأ الشراكة، بعيدا عن سياسات الاعتماد على الدعم القادم من الخارج، والذى ساهم بصورة كبيرة في انتزاع استقلالية القرارات التي تتبناها الكثير من الدول حول العالم، لخدمة مصالح القوى "الداعمة".
الانسجام بين سياسات الداخل ودبلوماسية الخارج، يثبت بما لا يدع مجالا للشك مصداقية القرار المصرى، ويساهم بصورة كبيرة في إضفاء المزيد في الثقة الدولية، في الدور الذى يمكن أن تقوم به في مختلف الملفات والقضايا الدولية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة