بعزيمة صادقة وإرادة قوية نستطيع خوض الحياة بكل ما تحمله لنا من مصاعب وعقبات، فالحياة عمل وكفاح وسعي يتحقق بالأمل.
تعيش منى عبد ربه محمد، كل يوم من حياتها وكأنه اليوم الأخير لها، تتشبث بكل فرصة تجعلها تحيا بعزة وكرامة، عيناها ثورة من الألم والأسى، تحمل بين كفوفها شقى السنين، تبتسم وكأنها لم تذق مرارة الحياة يوما، روحها تعانق الحياة والحب والأمل وتدفعها للبقاء من أجل ملاكها الصغير.
عاشت صاحبة الـ50 عاما، حياتها في معاناة وقهر وألم، تحارب الظروف وتصنع الأمل، رسمت بسطور من ذهب قصة كفاح طويلة، كادت أن تكسرها قسوة الحياة وألم الفراق والعزلة، فتحملت المسؤولية وتسلحت بالشجاعة والإرادة وقهرت المستحيل لتثبت لنا أن وراء كل امرأة عظيمة نفسها.
عقبات كثيرة واجهت منى، منذ طفولتها وأجبرتها على التضحية في سبيل إسعاد أسرتها، بداية من سوء المعيشة ومرض والدها بالسرطان، الذي اضطرها للعمل على عربة كارو، ومن ثم قيادة تروسيكل لجمع البلاستيك والكرتون وبيعهما للإنفاق على أسرتها ووالدها المريض، حتى تعرض زوجها للسجن ومرضه بعد فترة من خروجه فوفاته، ومن ثم إصابتها بكسر في الساق نتيجة تعرضها لحادث بالتروسيكل.
ظلت صامدة شامخة تحارب مرارة الحياة من أجل توفير حياة كريمة لطفلها الوحيد "إسلام"، التي عاشت من أجله تناضل بشرف وكرامة.
تقول منى لـ “اليوم السابع"، إنها عاشت حياة صعبة مليئة بالتحديات ولكنها صبرت وتحملت ووقفت بتحد في وجه الشدائد، مشيرة إلى أن الظروف كانت أقوى وأجبرتها على العمل بمهنة شاقة كتجميع البلاستيك على تروسيكل.
وأضافت أنها تحملت المسؤولية منذ طفولتها بسبب مرض والدها الذي كان دافعا لها للبحث عن عمل تسترزق منه لتنفق على أسرتها وتربي أخواتها، مضيفة أنها ظلت تعمل على التروسيكل حتى تزوجت فظنت أنها ستنعم بالراحة بعد سنوات طويلة من الكفاح والشقى، ولكنها عادت لتعمل على التروسيكل وتجمع البلاستيك مرة أخرى بعد أن اشتدت ظروف الحياة عليها وزوجها.
وأشارت إلى أن عملها على التروسيكل عرضها للرفض المجتمعي، حيث كانت أول سيدة تقود تروسيكل في قريتها وهذا ما عرضها كثيرا للمضايقات وسخرية واستهجان كل من حولها، مضيفة أن الأمر وصل لدرجة أن شخص قام بالتقاط صورة لها وهي تقود التروسيكل وقام بنشرها ساخرا منها على الفيس بوك بداعي الانتقاد، ولكنها لم تكن تبدي اهتماما بتصرفاتهم واستمرت في العمل والكفاح والتضحية.
"الشغل مش عيب.. العيب إني أقعد في البيت وأمد إيدي للناس".. هكذا عبرت منى، عن عملها على تروسيكل، فقالت إنها امرأة لديها مسؤوليات ورسالة جاءت في الحياة لتأديتها، فتربي طفل صغير يحتاج للرعاية والتعليم والتربية الصالحة، فضلا عن تربيتها لأبناء شقيقتها لسنوات طويلة قبل أن تنجب ابنها.
وقالت إنها وجدت نفسها تصارع الحياة وحدها، وتعمل في مهنة شاقة تفقدها لذة الحياة يوما بعد يوم، مشيرة إلى أنها تسافر يوميا من قريتها الساعة 6 مساءا لمدينة المنصورة لجمع البلاستيك من مطاعم المنصورة وتظل ماكثة على أرصفة الشوارع مع طفلها الصغير حتى الساعة السابعة صباحا من اليوم التالي، حتى تنتهي من جمع رزقها من البلاستيك والكرتون، لتعود لمنزلها وتبدأ رحلتها في فرز ما جمعته لفصل البلاستيك والكرتون عن القمامة لبيعهم.
وأشارت إلى أن زوجها كان قد تعرض للسجن وبعد فترة خرج مريضا بالكبد، فازدادت مسؤولياتها أكثر تجاه منزلها الذى كانت ولا تزال الداعم الأول والأخير له.
وقالت إن الله رزقها بعد مرور 23 سنة زواج بطفلها إسلام، ليكون بداية لسعادتها وإقبالها على الحياة، مشيرة إلى أنه كان الحلم الذي تمنته لسنوات طويلة وحققه الله لها لتبدأ حياتها ترتسم بالضياء.
واستطردت قائلة: "الحياة ساءت من جديد مع وفاة زوجي بعد اشتداد مرضه، لأجد نفسي وحيدة من جديد، أصارع في الحياة من أجل توفير حياة كريمة لابني إسلام".
وأوضحت أنها بالرغم من تعرضها لكسر بالساق إلا أنها لا تزال تقود التروسيكل وتسافر يوميا لمدينة المنصورة لتجميع البلاستيك من المطاعم وبيعه، بحثا عن الرزق الحلال وتوفير حياة أفضل لطفلها، مضيفة أن مغامرتها عرضت قدمها لكسر آخر قبل أن تلتئم الإصابة الأولى، مما جعلها في حاجة لإجراء عملية جراحية.
وأكدت أنها ستظل تكافح لآخر نفس في حياتها، مهما تعرضت لظروف أو صعاب، مشيرة إلى أنها ستقهر المستحيل من أجل ابنها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة